شهدت مناطق قطاع غزة اليوم (الإثنين) هدوءا حذرا في ثاني أيام اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل، بعد 15 شهراً من القتال العنيف الذي أودى بحياة الآلاف ودمر العديد من المنشآت. ورغم غياب الهجمات والمواجهات الكبيرة، استمرت بعض الحوادث المحدودة في المناطق التي يتواجد بها الجيش الإسرائيلي، إلا أنها لم تؤثر على سريان اتفاق إطلاق النار واستمرار العمل به. وأفادت مصادر فلسطينية محلية أن طائرات مسيرة إسرائيلية استهدفت العديد من الفلسطنيين كانوا يتفقدون منازلهم قرب المنطقة العازلة في رفح جنوب القطاع، مما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. كما أطلقت دبابات إسرائيلية متواجدة على محور فيلادلفيا نيرانها على منطقة المواصي قرب دوار العودة غرب ووسط رفح. وأعلنت مستشفى "غزة الأوروبي" في خان يونس في بيان مقتل شخصين وإصابة 8 آخرين، بينهم حالة خطيرة في استهداف الجيش الإسرئيلي في المنطقة العازلة، فيما أفادت مصادر طبية فلسطينية بإصابة فلسطينيين اثنين برصاص الجيش الإسرائيلي قرب محور نتساريم شمال القطاع. كما قتل فلسطيني وأصيب آخر جراء انفجار جسم من مخلفات الجيش الإسرائيلي في منطقة صوفا شرق رفح. ولم يصدر أي تعليق من قبل الجيش الإسرائيلي على الحوادث الأخيرة، إلا أن الإذاعة العبرية نقلت عن مسؤولين إسرائيلين، قولهم إن الجيش أطلق النار لإبعاد فلسطينيين في غزة اقتربوا من قواته، التي تعمل وفقا لاتفاق وقف إطلاق النار ،ونلتزم بالمنطقة الأمنية المتفق عليها. وكان الجيش الإسرائيلي حذر مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار سكان القطاع من التوجه إلى المناطق التي تتواجد فيه قواته. وفي وقت سابق، قالت وزارة الصحة الفلسطينية في تقريرها الإحصائي اليومي إن 122 قتيلا وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزة منهم 62 قتيلا جرى انتشالهم من بين المناطق المدمرة، بالإضافة إلى 341 إصابة، نتيجة النيران الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة الماضية". وأعلنت الوزارة أن" حصيلة العدوان الإسرائيلي ارتفع إلى 47035 قتيلا و 111091 إصابة منذ السابع من أكتوبر العام 2023". وفي السياق قال جهاز الدفاع المدني في غرة في بيان إن طواقمه في انتظار مهام شاقة وصعبة في "البحث عن جثامين آلاف المفقودين التي لازالت تحت أنقاض المنازل والمباني والمنشآت المدمرة، غير مسجلة في إحصائية الوزارة. وقدر الجهاز العدد بحوالي 10 آلاف مفقود، من بينهم مئات، تحللت أو تفتت جثثهم ولم يعد لها أثراً، بفعل استخدام الجيش الإسرائيلي أسلحة تنتج نيران حرارية تصهر كل ما هو في مركز الانفجار. وقال البيان إن الجهاز لحق به خسائر مادية وبشرية كبيرة حيث قتل 99 كادراً وأصيب 319 آخرون، بينهم العشرات بإعاقات مستدامة، فيما اعتقل 27 موظفا، بينهم مدير الدفاع المدني ومدراء ثلاثة مراكز في شمال قطاع غزة، فضلا عن تدمير واسع في مقراته ومراكزه وأدواته. وطالب البيان بإدخال طواقم دفاع مدني بمعداتها من الدول العربية إلى قطاع غزة من أجل المساندة في القيام بواجب التعامل مع الواقع الكارثي الذي خلفته الحرب، والذي يفوق قدرة جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة. ورغم الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في الساعة 11:15 من صباح يوم أمس الأحد (بتوقيت غزة)، حيث تم التأجيل لمدة ثلاث ساعات عن الموعد المحدد سابقا، لا تزال المدينة تعاني من أضرار كبيرة وأزمات إنسانية خانقة . وأظهرت الصور التي التقطها السكان ونشروها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لمنازلهم التي وصلوا إليها بعد إعلان دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، تظهر مدى الدمار الذي لحق بها، إضافة إلى الطرق والأحياء السكنية التي تحولت إلى أنقاض وركام. وقال أحمد أبو شمالة، أحد سكان رفح، وهو يتحدث بصوت خافت وسط ركام منزله المدمر: "كل شيء كان هنا، منزلي، وحياتي، ولكن الآن كل شيء ضاع". وأظهر مقطع الفيديو الذي نشره أحمد على صفحته على فيسبوك مشاهد للدمار الهائل الذي طال منزله والحي السكني الذي يقطن به. من جهتها لخصت أم أمجد، إحدى سكان خان يونس، معاناتها اليومية بالقول : "أطفالي بحاجة إلى الرعاية الصحية، لكن المستشفيات ممتلئة، والطرق غير صالحة للوصول إليها". وتابعت منذ بداية الحرب، يعاني الفلسطينيون في القطاع من صعوبة في الحصول على المواد الأساسية. وبالرغم من الجهود الإنسانية المستمرة، تقول أم أمجد : "الوضع لا يزال كارثيا ومنازلنا دمرت، وأصبحنا نعيش في الخوف المستمر". وقال خالد سلمية، وهو متطوع في مجال الإغاثة الإنسانية، إن الوضع لا يزال محفوفا بالمخاطر الأمنية رغم هدنة وقف إطلاق النار. وتابع :"في كل مرة نعتقد أن الوضع قد هدأ، تظهر التطورات السياسية لتعيد الأمور إلى نقطة الصفر". ويشير خالد إلى أن التأجيلات التي حدثت أمس في تنفيذ الاتفاقات والتأخير في تسليم الأسرى وإطلاق النار من المناطق التي يتواجد بها الجيش تزيد من المخاوف من تجدد العنف. ووسط ذلك، يبقى سكان غزة في حالة تأهب، مستعدين لمواجهة أي تطورات قد تهدد الهدوء بحسب سلمية، وتابع : "نحن نعمل بكل ما نملك لمساعدة أهلنا، لكن الوضع يبقى صعبا، والتحديات الأمنية تمنعنا أحيانا من الوصول للمناطق المتضررة". من جهتها قالت حركة حماس في بيان صحفي أن صور الدمار الواسع الذي طال البنى التحتية المدنية في كافة مناطق القطاع دليل على "وحشية وانفلات من كل القيم الإنسانية". وأضاف البيان أن "غزة ستنهض من جديد لتعيد بناء ما دمره الاحتلال وتواصل الصمود حتى دحر الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية". وعلى الجانب الرسمي الفلسطيني، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى عن خطة ستنفذها حكومته للإغاثة والإنعاش المبكر في القطاع. وتتضمن الخطة بحسب بيان للحكومة إنشاء غرفة عمليات حكومية طارئة لقطاع غزة، تظل في حالة انعقاد دائم، فيما تستعد الطواقم الحكومية لتوسيع العمل في إزالة الركام، واستعادة الخدمات الأساسية، واستلام المعابر، وتحقيق خطوات جادة في إعادة الإعمار. ودعا مصطفى لتنسيق العمل بين كافة الجهات المعنية عبر مؤسسات دولة فلسطين لتجنب ازدواجية العمل وضمان وصول المساعدات إلى المستحقين، والعمل المستمر مع الشركاء الدوليين لحصر الأضرار في القطاع، والتجهيز لعقد مؤتمر دولي للمانحين لدعم جهود الإعمار.■
مشاركة :