هل نحن مجتمع متديّن؟

  • 5/26/2016
  • 00:00
  • 47
  • 0
  • 0
news-picture

يُحيل معظم الباحثين ارتفاع معدلات الفساد إلى جملة من الأسباب، لكنهم يضعون في مقدمتها ضعف «الوازع الديني» كسبب رئيس، وقد يكون هذا التبرير صحيحا ومقبولا لدى شريحة كبيرة من الناس، لكن هنالك من يرى أن مجتمعنا من أكثر المجتمعات التي تتلقى جرعات دينية مكثفة وعلى مدار الساعة، خارج نطاق المنهج المدرسي، وجمعيات التحفيظ والمؤسسات التي تضطلع بهذه المهمة كمسؤولية رسمية، فأدوات التواصل الاجتماعي تتحول بين أيدينا طوال الوقت إلى منابر وعظ، فهي تزدحم بالمواعظ والتذكير والمنقولات الدينية حتى ممن لا نتوقع صلتهم بهذا الجانب؛ الملصقات الدينية في كل مكان على أعمدة الكهرباء، وعلى اللوحات الارشادية، وحتى على ماكينات الصرف الآلي، وعلى جدران غرف الانتظار في المستشفيات، واللوحات التي تحث على التوحيد والتسبيح والتكبير والتهليل والصلاة في كل مكان في الشوارع وعلى الجسور والطرقات، وفوق السياجات التي تحيط بها. ولا أعتقد أن أحداً يستطيع أن ينكر هذا الحضور الكبير للوسم الديني في مشهدنا العام، وهي فضيلة بالتأكيد في حال تمت ترجمتها إلى سلوك. لكن وباختصار إذا كان كل هذا التلقين لم يفلح في تعزيز الوازع الديني بما يمنع الفساد أو يقزّمه، فهذا يعني أحد أمرين: إما أن هذا المشهد لا يمثل الواقع، بمعنى أنه مجرد قناع لوجه لا نريد أن نراه أو نُريه لأحد، أو أن هنالك لبسا فظيعا في فهم محددات التدين، بحيث تصبح غاية التدين الامتناع عن سماع أغنية مثلا، أو الالتزام بتبادل رسائل «جمعة مباركة» وما في حكمها، والتي تذهب أجورها «نقدا» إلى شركات الاتصالات، ولينفلت السلوك بعدها كيفما شاء، وهذه هي الطامة، لأن كل المؤشرات تؤكد أننا نعتني ونحتفي كثيرا «بمظاهر التدين»، ونؤسس عليها أننا مجتمع متدين ومحافظ إلى ما هنالك من التوصيفات، لكننا قليلاً ما نسأل عن أثر ذلك على سلوكنا وتصرفاتنا في حياتنا العامة، وإلا فما معنى أن يكون حضور الدين في تفاصيل حياتنا بمثل هذه القوة إلى حد أننا المجتمع الوحيد الذي ينافس فيه نجوم الوعظ غيرهم من نجوم الرياضة والفن، ثم يكون انتشار الفساد بهذا الحجم. الفساد والتدين لا يلتقيان بأي نسبة إلا إذا بقي التدين غلافاً، ولم يتحول إلى ممارسة وسلوك عملي. لقد كشفتْ وسائل التواصل حجم شغف الكثيرين في ابداء مظاهر تعبدهم وتدينهم بإعلانها صوتا وصورة على الملأ، كالتصوير بجوار الكعبة للتباهي بالعمرة، أو نشر فيديوهات وسنابات لأعمال خيرية، كان ينبغي وفق أدبيات الدين أن تتم ما بين العبد وربه، مما يوحي فعلا بأن ثمة ثغرة ما في خطابنا الديني أفضتْ لهذه الممارسات، التي باتت تجمع الشتيتين.

مشاركة :