المكان الفلسطيني «ثيمة فلسفية» تطرح أسئلة الوجود الكبرى

  • 5/27/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

استضاف اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات مساء أمس الأول في مقره بالشارقة المفكر أحمد برقاوي، ود. ثائر عودة، والباحث تيسير خلف في ندوة حول كتاب برقاوي الصادر مؤخراً عن مجلة دبي الثقافية نهد الأرض. قدمت الندوة، التي أدارها القاص والناقد إسلام أبو شكير، وقفة عند تجربة برقاوي في كتابة يوميات رحلته إلى الأراضي الفلسطينية، فتناول الباحث تيسير خلف مفهوم أدب الرحلات في التراث العربي والعلاقة التي ينسجها برقاوي بين مفهوم أدب الرحلات، والسيرة، واليوميات، وقدم د. ثائر عودة ورقة نقدية استعرض فيها إشكاليات البنية في نص الكتاب، وبعض السمات الأسلوبية في السرد، وأبرز الهنات التي وقع فيها الكاتب خلال سرده. استهل الندوة تيسير خلف في ورقة حملت عنوان نهد الأرض.. رحلة بحث عن المعنى، تساءل فيها: ما مبرر صدور هذا الكتاب؟ وما الذي يمكن أن يحمله نص جديد عن العودة إلى الوطن، سوى فائض حنين، أو ذكريات معيشة أو موروثة عن أب أو أم أو جد، قد لا تهم إلا حاملها؟ وأجاب: يفاجئنا برقاوي بمستوى آخر من السرد، فهو فينهد الأرض يبدو لنا ذلك الحكيم المتأمل الذي اشتعل الشيب في رأسه بعد سنوات من القراءة والدرس ومعارك الحياة بهدوئها وصخبها، والشاهد على التحولات الكبرى التي شهدها العقل والإقليم خلال العقود الخمسة الأخيرة، والقادر على رؤية ما وراء الظواهر العابرة، والمستكنة لجوهرها، والعارف بمآلاتها. وأوضح: تبدو فلسطين التي زارها برقاوي مكاناً أكثر من كونها فكرة، ولكن، هذا المكان الحاضر بتفاصيله الجغرافية والطبيعية كلها، وبأناسه وتاريخه وعمقه الحضاري أيضاً، يتحوّل في النص إلى مجموعة من الثيمات الفلسفية الكبرى التي أراد البرقاوي من خلالها طرح أسئلة الوجود الراهن كلها وثنائيات الحق والظلم، والظالم والمظلوم، والجلاد والضحية، مميطاً الغشاء الخادع الذي يخفي تحته معنى أن تكون منتصراً وأنت مهزوم، أو منهزماً وأنت تتوهم نفسك في موقع النصر!. وبين أنه لا يأخذ المكان قيمته في نهد الأرض إلا من خلال ذات الكاتب، فهي التي تمنحه المعنى، وهي التي تحدد النفيس فيه، والقابل للإهمال، ولذلك، يبتعد المكان عن كونه مجرد جغرافيا، ليصبح في لحظة كشف حقيقية ومرآة للذات، فيضيع الفاصل بين العالم المعيش والعالم المفكر فيه، ولا ندري إن كان هذا العالم الذي ينهض من النص، واقعياً أم فكرة مجنحة من أفكار شاعر وفيلسوف. وكشف د. ثائر عودة في ورقته عن ملامح الإخلال في نص الكتاب، حيث توقف عند التتابع اليومي الذي مضت به الرحلة، فقال: إن ترتيب الأيام يعاني خللاً واضحاً، فلا تظهر الأيام في سياقها التتابعي الصحيح، إذ يكرر الكاتب يوم السبت في أحد فصول كتابه في الوقت الذي يفترض أن يكون هذا اليوم هو الأربعاء. ولفت إلى بعض الفصول التي يوردها برقاوي في ثنايا سرده ليوميات رحلته، موضحاً أن إفراد الكاتب لثلاثة فصول تتحدث عن العدو المستعمر، لا يعني شيئاً في البنية بقدر ما يخلخلها، لأن السرد يتعطل والرحلات اليومية تتوقف تماماً في هذه الفصول، وصارت الأيام لا معنى لها، وأمكن إزاحة أي فصل من تلك الفصول أو تغيير موقع أي منها في أي مكان من الكتاب. وأشار عودة إلى مواطن الاستطراد التي وقع فيها الكاتب متوقفاً عند قول البرقاوي في كتابه: وإني أستطرد هنا لأورد القصة الآتية حول الاسم الحركي، وإن كانت بعيدة الشأن عن موضوعي الآن، ولكن الشيء بالشيء يذكر. ويعلق عودة على عنوان الكتاب بقوله: عنوان اليومات نهد الأرضغير دال بما يكفي على اليوميات والرحلة، وقد يحيل إلى شيء آخر عدا الدخول إلى دار الحكايات، إنه عنوان عام وشاعري -ربما- ويصلح لهذه اليوميات وسواها، على الرغم من محاولة تفسير الكاتب في مستهل الكتاب للعنوان بأن فلسطين هي النهد الذي أرضع البشرية كلها حليب الحضارة لا ينفد. ويعرض عودة لسلسلة من الملاحظات على أسلوب الكاتب في السرد فيشير إلى أن الكاتب كان متضخم الأنا، ولم يتوقف عن المبالغات في سرد سيرة عائلته وأجداده -رغم أنها حقيقية وواقعية- إلا أنها تلفت القارئ إلى تضخم أنا الكاتب. وعلّق البرقاوي بعد قراءات النقاد على جملة المحاور التي تناولتها الندوة، فقال: إن الكتاب لا يحتاج إلى ناقد للوصول إلى ما أردت قوله، وإن الكتاب ينفلت من التجنيس الأدبي القائم في اليوميات، أو أدب الرحلات، وإنما هو أنطولوجيا وجودية بالمعنى الدقيق للمصطلح. وعلل موقف رحيل عائلته إلى دمشق بالقول:إن الإشارة إلى هذه الحادثة كانت لأقول إنه في ذلك الزمان كانت أمي تشعر أن دمشق هي يافا، بما تمثله من نمط الحياة المدنية، الأرستقراطية التي كانت فيها. وبرر برقاوي علو صوت الأنا في الكتاب بقوله: الأنا عندي قوية، وأرى أن المعضلة الحقيقية عند العرب هي غياب الأنا، فعندما قال ديكارت أنا أفكر إذاً، أنا موجود كان يشير إلى هدم ثقافة القطيع، فالقطيع دائماً يبحث عن كبش يرعاه ويقوده، لذلك أجد أنني تواضعت بالكتاب اكثر مما بالغت في أناي. واختتمت الندوة بتكريم أمين سر اتحاد الكتّاب د.منصور الشامسي للمشاركين بالندوة، وتسلميهم شهادات الاتحاد.

مشاركة :