برزت بين الدعوات والقضايا المثارة في مجال الإصلاح الاجتماعي خلال عصر النهضة وما بعده، 1798- 1945 مجموعة من المسائل الرئيسية، لعل أهمها أربع: البحث عن أسباب تخلف المجتمعات العربية والإسلامية، الدعوة إلى الحرية والمساواة، الدعوة إلى العدالة الاجتماعية، وتحرير المرأة. ومن المؤسف أن مجتمعاتنا لم تنجح حتى الآن في تجاوز أي من هذه القضايا. عايشت المجتمعات العربية والإسلامية كلها هذه القضايا، وفي كل مجتمع منها برزت تعقيدات وسمات خاصة... وأخرى عامة مشتركة. وقد ساهمت حملة نابليون في مصر، كما يرى البعض، في التعريف بوضع المرأة في أوروبا، وفيما وصلت إليه من حرية واستقلال فرديين. (الاتجاهات الفكرية، د. علي المحافظة، ص183). ولكن نطق الاهتمام بحقوق المرأة ودورها وأوضاعها الاجتماعية اتسع في مصر وبلاد الشام والعراق وسائر العالم العربي والإسلامي، بعد انسحاب نابليون، ولأسباب داخلية عربية وإسلامية... وعالمية! ونحن نعرف الكثير نسبيا عن تفاصيل تطور قضية المرأة في مصر بالذات، حيث أصدر قاسم أمين كتاب تحرير المرأة عام 1899، والذي ترجم فيما بعد إلى التركية والفارسية والأردية وغيرها. ونعرف معلومات كثيرة عن سوريا ولبنان، اللتين سبقتا مصر وكل العالم العربي في افتتاح مدارس البنات، ولكن معلوماتنا قليلة عن بدايات حركة حقوق المرأة في العراق... وهذا ما تحاول هذه المقالات المبسطة أن تسهم فيه. يمكن تقسيم نساء المجتمع العراقي، كما هو الحال في معظم المجتمعات العربية، إلى ثلاث فئات: سكان المدن، سكان الريف، وسكان البادية. ويقول د. علي الوردي في كتابه عن طبيعة المجتمع العراقي، إن المرأة، حسب القيم البدوية أقل منزلة من الرجل، فهي غير قادرة مثله على الغزو والقتال. ولذا فهي اختصت بالأعمال التي يستنكف الرجل من القيام بها، كإدارة شؤون البيت ونصب الخيام والحياكة والخياطة. ولكن الرجل البدوي، يضيف د. الوردي، لا يسيء معاملة المرأة، فهو لا يضربها ولا يقسرها على الزواج برجل لا ترضاه، ولا يستحوذ على مهر زواجها. والمرأة البدوية حرة في طلب الطلاق من زوجها إذا وجدت فيه ما لا ترضاه. وتتفاوت مناطق البادية العربية في ظاهرة سفور الوجه وسماح المجتمع بالاختلاط بين الجنسين، والقاعدة العامة، قول أحد الباحثين، إن سفور المرأة واختلاط الجنسين يسود في الجهات البدوية والمناطق الريفية، بينما يسود الحجاب وانفصال الجنسين في المدن. غير أن هذه القاعدة ليست مطلقة، ففي بعض الجهات البدوية والريفية يسود الحجاب وانفصال الجنسين، بينما يسود السفور واختلاط الجنسين في بعض المدن.(انظر: نظم العرب القبلية المعاصرة، ج 2، - د. محمود زناتي، القاهرة 1994، ص 374). ويعدد الباحث من مناسبات التقاء الأفراد من الجنسين، استقبال الضيف أو المشاركة في استقباله، وتلاقي الجنسين عند البئر لسقي الماشية أو لجلب الماء، وفي الأسواق الموسمية وحفلات الختان وحفلات الزواج، وبعض أنشطة الحياة اليومية ومنها مشاركة المرأة في الرعي والزراعة، وقيام المرأة بجلب الماء والحطب، وأخيرا أثناء الحروب والغزوات. وفي دراسة عنوانها المجتمع العشائري، الأردن 1999، يقول المؤلف غسان علي التل، إن نظرة الرجل في المجتمع العشائري نحو المرأة متضاربة، فهي في نظره محترمة في أشياء وممتهنة في أشياء أخرى، فبينما نراها سافرة وتجالس الرجال تبيع وتشتري وتقوم بجميع لوازم البيت من طبخ وتحطيب وغزل ونسيج، نجدها محرومة من الإرث، لا تتصرف في مهرها، وليس لها رأي في زواجها... ولا تؤدي الشهادة ولا يؤخذ رأيها عند الزواج... ويعفى ابن العم من الدية إذا قتل ابنة عمه بسبب رفضها الزواج منه. ولكن الرجل من جانب آخر، يحب زوجته ويخاطبها بخير الألقاب، كما أن القبيلة شديدة الحساسية إزاء كل ما يمس المرأة. ويضيف أن النساء في البادية لسن دون الرجال شهامة ومروءة، ويستجار بهن فيجرن، ويحتمى بهن فيحمين وإذا ما نزل بهن ضيف فإنهن يستقبلنه ويكرمنه، حتى ولو كان أزواجهن غائبين عن البيوت، فمن حق المرأة قبول دخالة الدخيل وللنساء حق الحماية مثل الرجال والذي يمتد إلى مدة الضيافة أي ثلاثة أيام... وكما كان للمرأة في المجتمع العشائري، دور بارز ومهم في عمليات الغزو وإشعال الحروب، كان لها كذلك دور وإسهامات غير قليلة في نشر لواء الإسلام... ومن مظاهر دور المرأة في عمليات الصلح العشائري أنها تشارك في الحملة -الجاهة- المؤلفة من وجوه العربان، الذين يذهبون إلى أهل القتيل بغية الصلح... وتزغرد النساء ويغنين ويدخلت على النساء.... ص 133. ويقول د. علي الوردي إن النساء قد يشتركن في القتال فعلا. وإذا أبدت إحداهن بسالة فيه ارتفعت مكانتها الاجتماعية وكثر خطابها أو خطاب بناتها. فهم عند ذاك يعدونها أما عظيمة تنتج الأبطال، كمثل ما تنتج الفرس الأصيلة نسلا ممتازا. وينقل الوردي عن كتاب العزاوي عشائر العراق، ان البدو في عصرنا يستخدمون في معاركهم فتاة خاصة تسمى العمارية. والمفروض فيها ان تكون جميلة ومن ذوات الحسب والنسب فيهم. فهي تركب في هودج على ناقة، وتكشف عن راسها، وتحاول ان تتقدم القوم في القتال لتحرضهم عليه.. فهي تنادي بأسماء الرجال وتشجعهم بذكر مفاخرهم الماضية، واذا رأت واحدا منهم يفر من ميدان المعركة، عنفته واثارت فيه نخوة الرجولية. ويقول ديكسون انه في مثل هذه الاحوال سوف يعتري الرجال الجنون من اجلها، واذا تصادف ان كانت الفتاة ابنة شيخ القبيلة، لم يستسلموا أبدا وقاتلوا حتى الموت. (د. الزناتي، ص 361).
مشاركة :