توسعت حركة الاحتجاجات ضد قانون العمل الفرنسي الجديد، التي تركز على قطاعات النقل، لتهدد البلاد بحالة من الشلل، خاصة مع تهديد نقابات الطيران المدني بوقف العمل من 3 إلى 5 حزيران (يونيو)، ومع احتمال إضراب سائقي مترو الأنفاق والقطارات. وفيما يتطور النزاع إلى مواجهة بين الحكومة الاشتراكية والاتحاد العام للعمل "سي جي تي"، المقرب تاريخيا من الحزب الشيوعي وأكبر نقابة عمالية في البلاد، أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس عزمه على "الصمود" أمام موجة الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ أكثر من شهرين وشملت تظاهرات وقطع طرق وإغلاق مرافق نفطية وصناعية ومن الممكن أن تتكثف. وبحسب "الفرنسية"، فقد سعت النقابات الثماني المعارضة إلى تعديل قانون العمل إلى البناء على تعبئة عارمة حيث تظاهر عشرات آلاف الأشخاص "300 ألف وفقا للكونفدرالية العامة للعمل "سي جي تي" و153 ألفا بحسب السلطات" في مختلف أنحاء فرنسا احتجاجا على مشروع القانون الذي يهدد الأمن الوظيفي في رأيهم، ومن جهته، رد هولاند قائلاً "سأصمد لأنني أعتقد أنه إصلاح جيد". وشهد يوم التحرك الثامن ضد مشروع القانون الرامي إلى إعطاء مرونة للشركات بحسب الحكومة، ويراه المعارضون خطرا على الوظائف، وفي الأيام الأخيرة اشتدت الاحتجاجات وأغلق المحتجون الطرق إلى مصاف لتكرير النفط ومستودعات للوقود، ما شكل تحديا كبيرا للحكومة التي تخشى شلل البلاد قبل أسبوعين على بدء بطولة كأس أوروبا 2016 لكرة القدم. في الأيام الأخيرة شهدت تسع محطات نووية من 19 في البلاد انخفاضا في الإنتاج بحسب الكونفدرالية العامة للعمل، لكنه لم يؤثر في وصول التيار الكهربائي بحسب الهيئة التي تدير الشبكة. وقالت متحدثة باسم سلطة الموانئ في فرنسا "إن نحو 38 ناقلة نفط أصبحت عالقة في ميناء فوس لافيرا النفطي جنوب فرنسا وهو الأكبر في البلاد"، مشيرة إلى أن من بين الناقلات 25 ناقلة في مرفأ الميناء ارتفاعا من 12 ناقلة في اليوم السابق في حين تنتظر 13 ناقلة أخرى على رصيف الميناء. وفي الظروف الطبيعية لا يتجاوز عدد الناقلات التي تنتظر في المرفأ خمس ناقلات في حالة وجود جدول تشغيل مزدحم، وقال مسؤول في قطاع الموانئ "إن عدد الناقلات التي تنتظر في ميناء لو هافر شمال البلاد بلغ 11 ناقلة في المرفأ وخمس ناقلات على الرصيف". وأشار هولاند فيما بدا مقطب الوجه إلى أن الواجب الأول للسلطة التنفيذية في مواجهة إغلاق الطرقات تكمن في ضمان حرية التنقل وحسن سير الاقتصاد، مضيفا أن "الوقت ليس مناسبا لزعزعة الاقتصاد الفرنسي". لكن العمال وأرباب العمل لا يخفون استياءهم المتفاقم من الأزمة التي تثير تخبط اقتصاد بدأ يصدر إشارات تحسن بسيطة، منها ارتفاع طفيف للنمو وتراجع ضئيل للبطالة في الأشهر الفائتة. وندد بيار جاتاز رئيس نقابة أرباب العمل الفرنسي بـ "أساليب أولاد الشوارع" و"انعدام المسؤولية" داعيا إلى "مقاومة ابتزاز" النقابات المحتجة، وقد أسهم الحزم الذي أبداه الرئيس الفرنسي في توضيح التباس ساد أوساط الحكومة، فقد اضطر مانويل فالس رئيس الوزراء إلى ضبط وزير ماليته ميشال سابان الذي تحدث عن تعديلات محتملة للمادة الأكثر إثارة للخلاف في مشروع القانون. وتمنح المادة الشركات، وليس القطاعات المهنية، اليد العليا في التفاوض حول تنظيم أوقات العمل، الأمر الذي ترفضه النقابات المحتجة بشكل قاطع، وتحدث فالس عن إمكانية إجراء "تحسينات" لمشروع القانون لكنه استبعد العودة عن التعديل. غير أن النقابات المعارضة التي طلبت في الأسبوع الماضي مقابلة هولاند، نددت بصمت الحكومة وانتقدت تعنتها وإصرارها على عدم سحب مشروع القانون، فيما دعا جان كلود مايي الأمين العام لنقابة القوى العاملة، الحكومة إلى تعليق مناقشات مشروع القانون في البرلمان وبدء مفاوضات، مشيرا إلى أنه يمكننا التوصل إلى حل، شريطة تعليق النقاشات البرلمانية، وعدم وجود جدول زمني حينها سنكون مستعدين لبحث جوهر الأزمة. في هذه الأثناء، تواصل النقابات ضغطها، فإضافة إلى مواصلة تحركات قطع الطرقات أعلنت عن يوم تعبئة تاسع في 14 حزيران (يونيو) على أن يقتصر الحشد على باريس، وتم اختيار الموعد ليتزامن مع بدء النقاشات حول نص مشروع القانون في مجلس الشيوخ. من جهة أخرى، أعلنت النقابات عن تنظيم "تصويت مُواطنيّ" أي استشارة عامة واسعة النطاق حول مشروع القانون في الشركات والإدارات والمؤسسات التعليمية، وتبقى الاضطرابات حتى الآن محصورة في وسائل النقل الجوي والسكك الحديد رغم دعوات متكررة إلى الإضراب، ومن المتوقع أن يشهد القطاع توترا مع اقتراب كأس أوروبا لكرة القدم 2016 الذي سيجذب إلى فرنسا عشرات الآلاف من المشاهدين.
مشاركة :