ما إن تهل تباشير شهر شعبان حتى تجد الناس– عموماً– وقد انتهجوا إلى ثلاث فرق، الأولى: تتفنن في تقديم وعرض ألذ أطايب الطعام الرمضانية بمقاديرها وطرق إعدادها يتقدمها «لقمة القاضي أو ما يُعرف عندنا باللقيمات»، ويسيل اللعاب إذا قورنت بصور تزيدك إقناعاً بأنها للتطبيق لا للعرض، المجموعات الهاتفية تتسارع وتتناقل مختلف الأصناف ويعرضون عليك الجديد في الأسواق، والفئة الثانية: تجتهد كثيراً في رفع شعار «رمضان للعبادة وليس للاستنزاف المالي وتعدد الطعام»، موعظةٌ هنا، ومقالٌ هناك، وتذكير بتحريم الإسراف، وصور عن الجائعين في العالم، ولقطات مؤسفة عن تضخم براميل بقايا الطعام و و و الخ. أما الفئة الثالثة فقد ارتأت لنفسها مسلكاً آخر، اجتهدت في نشر جداول تلاوة القرآن الكريم وحفظه وطريقة ختمه مرة ومرات في هذا الشهر الفضيل، ولكل من هذه الفئات الثلاث قناعتها وطريقتها التي تسوِّق بها بضاعتها. وعندما نصنِّف هذه الثلاث فلا يعني هذا انفصاليتها عن بعضها البعض، الجميع نشأوا في بيتٍ مسلم، يُقيمون العبادات ويرفعون «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله»، هذه العائلات– صغارها وكبارها– ينتظرون موسم الخيرات في رمضان على أحر من الجمر، ويتلهفون إليه لهفة الظمآن لشربة ماء باردة في يوم لهيب. رمضان يستحق أن نستعد له عبادةً ومصحفاً وطعاماً وثوباً من شيء جديد «لصلاة التراويح بعيداً عن روائح الطعام»، مهما كتب القلم وارتفعت الأصوات وعلت الحناجر فوق المنابر عن ترشيد الاستهلاك في شهر رمضان فسنجد الناس- عموماً- تُسعِد نفسها وعائلتها ومن حولها من الفقراء والمحتاجين بمشتريات رمضان، تشعر بجمال هذا الشهر وأنت ترتاد السوق مع أفراد أسرتك لشراء «مقاضي رمضان». المسألة يا كرام ليست لسد جوع وعطش، ولكنها بهجة بقدوم ضيف عزيز ننتظره من عام لعام ولساننا يلهج طوال شهر شعبان «اللهم بلغنا رمضان وأعناَّ على صيامه وقيامه وتقبله منا قبولاً حسناً» لأننا نعلم يقيناً أن في شهر شعبان تُكتب الآجال وتتجدد الأعمار، فكم وكم ودعنا أحباباً لنا لم يكتب الله لهم بلوغ الشهر الفضيل، وكم وكم دخلنا بيوت الأهل والأصدقاء والمعارف لتقديم العزاء في شعبان وكلنا نتأسى لمن غادرنا بأنهم لن يدركوا فضائل شهر الخير والرحمة، شهر الطاعات، شهر الوصل والتواصل وزيارة ذوي الأرحام. كثيراً ما أشعر بالبهجة والسرور وأنا أرى الناس وهي تستعد لاستقبال الضيف العزيز، وأُسعد أكثر عندما أسمع عبر مكبرات الصوت في المساجد وهي تُعيد تجربة الأذان للتأكد من قوتها، وتزداد فرحة سكان الأحياء الجديدة بافتتاح «مسجد الحي الجديد» مع أول صلاة التراويح. «السلة الرمضانية للمحتاج» و«تفطير صائم» عبادتان تتسابقان إلى بيوت المسلمين ابتداءً من شهر شعبان إلى أن يُقال «غداً العيد»، الكل يجتهد وهو مسرور ويحتسب الثواب والأجر، والكل يذكِّر الآخر عبر رسالةٍ هاتفية أو اتصال جميل تلتقي فيه القلوب على المودة والرحمة في المجتمع المسلم الواحد، ما أجملها من مشاعر، وما أسماها من رسالة «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون». دعوا الناس تشتر وتبتهج، دعوها تملأ عربات التموين، فلن تستطيع أن تحكم مشاعرها الجميلة، رمضان أيها الضيف العزيز أهلاً بك، ولك منا أن نرفع شعار «ترشيد الاستهلاك». وأختم بثلاث نصائح خاصة لربة البيت: 1- لا تغلبنكِ شهوة «المطبخ» على تلاوة القرآن الكريم وقيام الليل فهذا موسم الحصاد، علمتنا مدارسنا ونحن صغار «من زرع حصد» فكوني في مقدمة المستثمرين. 2- لا تترددي في تقسيم أدوار العمل على أفراد أسرتك بلا استثناء– كلٌ بما يناسبه ووفق رغبته– ولا تحمِّلي نفسكِ فوق طاقتها. 3- احتسبي الأجر والثواب في خدمة أسرتك، ولتكن نيتك «من فطَّر صائماً» حتى لو كانت عائلتك الكريمة. تهنئتي لكم جميعاً ومن الأعماق بقرب حلول شهر رمضان المبارك، تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، ورمضان كريم.
مشاركة :