الكتابة عن رمضان، شهر الصوم والعبادة والمغفرة، وشهر المحبة والبهجة والسعادة، أشبه برحلة كونية باتجاه الفرح والمتعة والدهشة، وغوص في أعماق الزمن الجميل. شهر رمضان الفضيل، حكاية عشق أبدية، وأيقونة فرح سرمدية. يطل علينا شهر رمضان الكريم، هذا الزائر الجميل الذي ينتظره المسلمون في كل بقاع الأرض، ويعشقه الصغير والكبير، ويأنس به الفقير والغني، لأنه شهر الرحمة والمغفرة والتوبة، تماماً كما هو شهر للبهجة والفرحة والمتعة. بعد عام طويل وحافل، يبزغ نجم هذا الشهر الكريم، لينسج بعبقه وألقه وسحره حكايات الفرح والدهشة والجمال، تلك الحكايات التي تاهت في زحمة الحياة التي لا تعرف الهدوء أو السكينة. يهل شهر رمضان الفضيل، ليُعيد لحياتنا ذاكرتها الجميلة التي اغتالتها غربة العصر الحديث. الكتابة عن رمضان، فرصة رائعة لقراءة دفتر الأفكار والمواقف والأحداث من جديد، ومتعة أثيرة للنظر إلى ألبوم الصور والذكريات والقصص، وجولة سعيدة في مرابع الطفولة والصبا والشباب. الكتابة عن رمضان، عودة أنيقة لأيام البراءة والنقاء والصفاء، واستذكار مسكون بعطر الأناشيد والأهازيج والصلوات التي تتأنق في حضرة هذا الشهر الجميل. بالنسبة لي، ولمن هم في جيلي، كان شهر رمضان، حكاية ثرية بالتفاصيل والأحداث والمواقف والصور والذكريات التي لا تنتهي، فقد كان قدوم هذا الشهر الفضيل، بشارة خير لموسم فرح وسعادة وبهجة، وسجادة صلاة تتلألأ حولها تسابيح الدعاء والمناجاة والاستغفار. شهر رمضان الكريم، صوم وعبادة وقيام وتسبيح ودعاء ومناجاة، وهو أيضاً شهر محبة وسلام ولقاء وبهجة ومتعة وترفيه. شهر رمضان الكريم، فترة ذهبية تتوحد فيها كل التفاصيل الجميلة التي يحرص الكل على المحافظة عليها والالتزام بها، كتلاوة القرآن والصلاة في المساجد في كل الأوقات وحلقات الذكر والموعظة وزيارة الأهل والأصحاب وتبادل الأطباق مع الجيران وممارسة الألعاب الشعبية والاستماع لقصص الخيال والمغامرة والبطولة والكثير الكثير من التفاصيل الرمضانية التي كانت عامرة في رمضان الزمن الجميل. رمضان الأمس، كان مساحة كبيرة لممارسة العطاء والبذل والتعاون والألفة والإيثار والتراحم والترابط والتزاور بين كل مكونات القرية الصغيرة التي تتحول إلى احتفالية عفوية أنيقة. رمضان الأمس، صورة بانورامية تتألق فيها كل التفاصيل الرائعة التي تحتفل برمضان. لا أريد المقارنة بين رمضان الأمس بكل عبقه وألقه وسحره، وبين رمضان اليوم الذي فقد الكثير من وهجه وبهجته وروعته. أعرف أن المقارنة ظالمة، فلكل عصر ظروفه وأدبياته وتحولاته، ولكن إذا كان ثمة من عتب، فهو للإعلام العربي بمختلف أشكاله وأدواته ومستوياته، لاسيما الفضائيات العربية التي جعلت من شهر رمضان الفضيل في كل عام، مجرد موسم للذروة البرامجية والدرامية. لقد تحول شهر رمضان المبارك، من شهر للصوم والعبادة والتقوى، ومن شهر لإشاعة الفرح والبهجة والمتعة، إلى بازار كبير للمؤسسات الإعلامية الخليجية والعربية، والتي أصبحت تُسوّق للفن الهابط، وتُروّج للدراما المبتذلة، وتفرض برامج التهريج والإسفاف. يبدو أننا قد ابتعدنا أو أُبعدنا عن أهداف ومضامين ومعاني هذا الشهر الكريم الذي قال فيه عز وجل في محكم كتابه: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ". ويبقى رمضان، رغم كل الظروف والتغيرات والتداعيات، شهراً للصوم والعبادة والمغفرة، وأيضاً للفرح والبهجة والسعادة.
مشاركة :