جاءت نتائج انتخابات الهيئة الرئاسية للبرلمان الإيراني العاشر لتضفي مزيدًا من الوضوح، حول اتجاهات هذا المجلس المستقبلية، بعد أن تضاربت الأرقام والتحليلات حول ثقل كل من الإصلاحيين والمعتدلين من جهة، والأصوليين من جهة أخرى، ومدى ما أصبح لمفهوم المعتدلين من دلالة وتوجهات المستقلين. نسير مع القارئ في هذه المقالة لنسلط الضوء على مخرجات تلك النتائج وتأثيرها على دور البرلمان. قبل بدء تلك الانتخابات تجلى وجود تكتلين رئيسيين هما تكتل الأمل وتكتل الولاية، الذي عقد مؤتمره قبيل الانتخابات الرئاسية للبرلمان بوقت قصير جدًا. وقد أشار محمد رضا باهنر نائب رئيس المجلس السابق إلى أن هناك 188 نائبًا يؤيدون إعادة انتخاب لاريجاني، وبالتالي جاء هذا الأخير بوصفه المرشح الأقوى لرئاسة البرلمان. وترددت الأنباء أن ترشحه للانتخابات كمستقل بعيدًا عن الأصوليين جاء ليكون أكثر قبولاً لدى الطرفين وقت انتخابات رئاسة البرلمان. وفي مقابل علي لاريجاني جاء الإصلاحي محمد رضا عارف بوصفه مرشحًا لتكتل الأمل مدفوعًا بدعم من النتائج التي حققها، والتي أفضت إلى تربعه على قائمة الفائزين في دائرة طهران. تواردت بعض التحليلات التي أشارت إلى رغبة كل من رفسنجاني وروحاني بعدم ترشح رضا عارف أمام لاريجاني، وإفساح المجال لهذا الأخير لما سيلعبه من دور في دعم حكومة روحاني كما أبداه في السابق. جاءت الانتخابات المؤقتة ليحقق لاريجاني الفوز بعدد أصوات بلغت 173 صوتًا في مقابل 103 لرضا عارف مما مجموعه 281، وهو ما دفع بمحمد رضا عارف للإعلان بأنه لن يخوض انتخابات رئاسية الهيئة التالية. وبالتالي تقدم الإصلاحي مصطفى كواكبيان لمنافسة لاريجاني في تلك الانتخابات، فجاءت النتيجة بأصوات مضاعفة للاريجاني، حيث صوّت له 237 بينما تحصل كواكبيان على 11 صوتًا فقط. أما فيما يتعلق بمنصب النائب الأول، فقد نال مسعود بزشكيان، الذي ينظر له على أنه إصلاحي معتدل على 154 صوتًا ليفوز به في الانتخابات المؤقتة، ثم عاد من جديد ليفوز بالمنصب ذاته بأصوات بلغت 158 صوتًا. كما فاز المعتدل علي مطهري بمنصب النائب الثاني لرئيس المجلس بـ133 صوتًا بعد أن فشل في الانتخابات المؤقتة حيث فاز فقط بـ122 صوتًا وهي أصوات لم تؤهله أمام منافسه. بشكل عام يعتبر أداء الإصلاحيين في البرلمان العاشر أكثر فعالية، مقارنة بأدائهم في البرلمان في دورتيه الثامنة والتاسعة. فبالنظر إلى بعض الحقائق والمتمثلة في أن الـ50 نائبًا الذين استجوبوا وزير التعليم في حكومة روحاني لم يفز منهم سوى 5 أعضاء، بينما خسر كثير من الرافضين للاتفاق النووي بين إيران و«5+1»، مضافًا إليه أن من مجموع الـ290 عضوًا في البرلمان هناك 177 عضوًا وصلوا للمرة الأولى للبرلمان، فإنه ووفق ما تقدم كانت هناك مؤشرات على أن الإصلاحيين سيشكلون أغلبية في البرلمان العاشر، وبالتالي سينعكس ذلك على الجوانب التالية: 1 - انتخابات رئاسة البرلمان الإيراني. 2 - انتخابات لجان البرلمان، وخصوصًا اللجان ذات الأهمية مثل لجنة الأمن القومي والسياسات واللجنة الاقتصادية ولجنة المادة 44 من الدستور. 3 - التعاون مع الحكومة. 4 - مسودات مشروع القوانين والمواضيع المُدرجة وحساسيتها لدى النظام. الحقيقة أن فوز علي لاريجاني في الرئاسة المؤقتة وتقدمه على عارف الذي نال 103 أصوات يعطي دلالة على صعوبة تحديد ميول الأعضاء حين يتصل الأمر بجوانب تلامس رغبات النظام ودائرته. لكن ذلك لا يعني عدم وجود ثقل للإصلاحيين في البرلمان. ويمكن ملاحظته حين تُطرح جوانب لا تشكل حساسية للنظام بصورة مباشرة. وبالتالي فإن فوز بزشكيان بـ158 صوتًا كنائب أول لرئيس البرلمان له دلالة واضحة على وجود حضور قوي للمعتدلين والإصلاحيين. ولو كان محمد رضا عارف قد تقدم للترشح لهذا المنصب بدلاً من التنافس مع لاريجاني، لحصد هذه الأصوات وربما أكثر منها بقليل. كما يثبت الأعضاء المستقلون أن ميولهم تتجلى أكثر باتجاه النظام الإيراني بشكل عام ومجالات اهتمامه. ويمكن القول إن من مظاهره في البرلمان هو وجود لاريجاني على كرسي الرئاسة. بهذه النتيجة يمكن معرفة مدى ما سيواجهه الإصلاحيون في أطروحاتهم حول جوانب ذات حساسية للنظام ووجود تكتل معارض لها في البرلمان لقضايا مثل الحريات والصحافة ومجال العالم الافتراضي. ولا يعني ذلك أن هذا البرلمان سيأتي مناكفًا لحكومة روحاني، ولكنه في الوقت ذاته سيكون أقرب للرسائل الموجهة له من دائرة النظام الإيراني وليس من رغبات الحكومة ومطالبها. دعوة للقارئ للتأمل. الإصلاحيون، الأصوليون، المعتدلون. تصنيفات جرت العادة على استخدامها لوصف المشهد السياسي في إيران وتجاذباته. ولكن هل واقع الحال في إيران وفي نظامه الحالي يعطي مؤشرًا على وجود حقيقي لمثل هذه التصنيفات؟ وهل إذا كان الأمر كذلك فهل تدور تلك التجاذبات وفق أطر محددة، ولا يمكن تجاوزها، وبالتالي إفراغ تلك التصنيفات من محتواها؟
مشاركة :