عبد الفتاح عطية : قراءة في الخارطة السياسية قبيل الانتخابات الرئاسية التركية

  • 5/2/2018
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تركيا العدالة و التنمية، تلك الجمهورية التي شهدت تطورات دراماتيكية حملت العالم على الالتفات صوب الأناضول الذي مثل منذ القدم ملتقى الشرق و الغرب و محط اهتمام القوى المتصارعة و المتنافسة، و التي كان صعود حزب العدالة و التنمية للحكم فيها منذ 2003 إيذانا ببدأ حقبة سياسية و اقتصادية جديدة لا شك أن مفهوم الدولة العميقة في تركيا و السطوة العسكرية على مؤسسات الدولة فيها لم يكن يوما محل شك أو استهجان لدى الجمهور التركي، فما شهدته تركيا من أزمات سياسية و انقلابات عسكرية منذ سقوط الدولة العثمانية و انهاء الخلافة كانت الدولة العميقة و ذراعها العسكرية أهم لاعب فيها، و مع حصول العدالة و التنمية على الأغلبية و تشكيل حكومته مطلع الألفينات بدأت رحلة تقليم أظافر المؤسسة العسكرية التركية و كبح سطوتها على المؤسسات التنفيذية و القضائية و التي انتهت مع افشال المحاولة الانقلابية الأخيرة صيف 2016، و بغض النظر عمن يقف وراءها أو من سوغها لصالحه، فقد كانت المسمار الأخير في نعش المؤسسة العسكرية المتحكمة في المؤسسات و المسيرة للحكومات حيث أعملت الحكومة التركية سلاح العزل و الاقالة للضباط و الجنرالات و موظفي الدولة الذين تورطوا او كادوا أو حتى طالتهم شبهة الانتماء الى التنظيم الذي تعتبره ارهابيا و محظورا في تركيا، و لا غرب بعدها أن ينال الحزب مستقبلا الأغلبية البرلمانية و يفوز بمقعد الرئاسة و الحال أن من يقض مضجعه قد أزيح داخل المؤسسة العسكرية اضافة الى أن المنافس السياسي الكردي في أقصى حالات التشظي و الانهيار ناهيك عن غياب حزب وسطي قومي يقدم مشروعا يضاهي او ينافس مشروع العدالة و التنمية اقتصاديا و سياسيا، فلا شك أن ما ثبّت الحزب في السلطة نهضة اقتصادية و تنموية غنية عن البيان و ادارة أقل ما يقال فيها أنها متوازنة و براغماتية في ما يتعلق بالملف الكردي و ملف الانضمام الى الأوروبي حتى السنوات الأخيرة، أما اليوم فتقبل تركيا على إنتخابات رئاسية و برلمانية مبكرة حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقديم موعدها الى حزيران/يونيو القادم بعد إذ كانت مقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام القادم، و لهذا التقديم في موعد الإنتخابات أسبابه و خلفياته، فتركيا التي تنتشر قواتها العسكرية في الشمال السوري و تخوض حربا خارج حدودها تتأثر بهذا الصراع مع الفصائل الكردية و ان كانت رياح الأوضاع تهب بما تشتهيه سفنها حتى الان، و السبب الأبرز كما يرصده المراقبون أزمة اقتصادية يلوح شبحهها في الأفق ارتأت حكومة العدالة و التنمية و من ورائها الزعيم التركي استباقها بتقديم الانتخابات التشريعية و الرئاسية حيث ان اجراءها في موعدها المحدد مخاطرة غير مضمونة النتائج مع القراءة الاقتصادية السلبية للمرحلة المقبلة، الى جانب ذلك، تبرز العملية العسكرية التركية و خوض غمار الملف السوري المعقد حافزا لمحاولة ترتيب السياسة التركية الداخلية استباقا لأي تطور سلبي في المستنقع السوري المجاور خاصة مع بروز بوادر صدام ايراني اسرائيلي و اهتمام أمريكي بتحريك الملف الذي استحوذت عليه روسيا و شيئا ما تركيا و ايران الى حد بعيد، فليس من المضمون نجاح تركيا في حفظ مصالحها شمال سوريا رغم علاقتها البراغماتية مع الولايات المتحدة و هو ما من شأنه أن يحرك الأصوات الداخلية المعارضة و التي لن تفلح الدعاية الرسمية في اسكاتها اذا ما طال أمد العمليات العسكرية أو تغيرت الأوضاع بما يعرض القوات التركية للخطر، في أزمة سورية أصبحت ثقبا أسودا اقليميا و دوليا، أما داخليا، فقد تواترت أخبار عن نية المعارضة التركية تقديم الرئيس التركي السابق عبد الله غل كمرشح موحد عن صفوفها و هو ما أقلق بلا شك القيادة التركية لأسباب أولها القيمة السياسية لغل و ثانيها امكانية ذلك ان تم في جمع صفوف المعارضة ما يشكل تهديدا انتخابيا لأردوغان و ثالثا أثره في تقسيم الرصيد الاستراتيجي للعدالة و التنمية كون عبد الله غل قيادي سابق فيه و لحتمية انضمام عدد هام من الناخبين و النواب لصف غل و كتلته البرلمانية، و التخوف الجلي للقيادة التركية من ترشح غل و وصفه بالمخطط الخبيث و الاتكاء على نظرية المؤامرة الداخلية و الخارجية دليل أنه الوحيد القادر على منافسة أردوغان على الرئاسة و على جمع صفوف المعارضة على قائمة نيابية قد تحول دون حصول العدالة و التنمية على الأغلبية، لكن، و تجاوزا لأسباب غل الشخصية أو السياسية أو ربما الضغوطات التي دفعته للتراجع و عدم ترشحه للرئاسة، فإن الحديث عن مجرد امكانية ترشحه مرشحا موحدا للمعارضة يعكس مرحلة هامة من التاريخ السياسي التركي تتمثل في تغير خارطة القوى السياسية و الحزبية الى درجة يصبح التنافس على الرئاسيات فيها بين قياديين من نفس المرجعية السياسية و نفس الايديولوجية تقريبا و هو ايذان بطي صفحة الصراع السياسي اليميني اليساري في تركيا و بدء صفحة جديدة يكون التنافس فيها برامجيا مع شبه سيطرة لايديولوجية سياسية واحدة على القوى المتنافسة، مع التنويه الى أن هذه المرحلة يغيب فيها بشكل بارز أي تعويل على مشروع أتاتوركي علماني يسوق للمبادئ التقليدية التي تنادي بحماية علمانية الدولة التركية أو الحؤول دون “أسلمة” الدولة كما كانت غالب الأحزاب و القوى اليسارية التركية ترصد أهدافها و تروج مشروعها، و عليه فإن المرحلة السياسية التركية القادمة ستتسم بترجيح كفة العدالة و التنمية لسنوات مع الأخذ بالاعتبار نجاح القيادة التركية أو فشلها في ادارة الأزمات الداخلية و أهمها الملف الاقتصادي و الخارجية و على رأسها الأزمة السورية و الدور التركي فيها، أما نتائج الانتخابات التركية القادمة فلا شك من فوز الزعيم التركي فيها بدورة رئاسية جديدة لغياب شخصية سياسية منافسة ذات رصيد سياسي و متمتعة بكاريزما كالتي عند أردوغان و لتشرذم المعارضة التركية و استحالة اجتماعها على مرشح موحد بعد إعلان الرئيس السابق عبد الله غل تراجعه، لتكون الحالة السياسية التركية بعد الانتخابات الوشيكة امتدادا لما هي عليه قبلها لفترة لن تكون قصيرة . ———————————————————————————————- عبد الفتاح بن عطية كل الوطن

مشاركة :