يعتبر مسجد هولو في مدينة ملكا في ماليزيا تحفة معمارية، التقت فيها فنون العمارة من عدة حضارات، وهو أقدم مسجد ماليزي لا يزال قائما إلى اليوم، فقد شيد في عام 1728م في عهد الاحتلال البرتغالي للبلاد، ورغم أن المدينة كانت مركزاً لسلطنة مسلمة لعدة قرون قبل ذلك، وكانت تعج بالمساجد والمدارس القرآنية، إلا أن ذلك تلاشى عندما احتلها البرتغاليون عام 1511، وقضوا على سلطان المسلمين فيها، ودمروا مساجدها، وأغلقوا مدارس القرآن فيها، ثم جاء بعدهم الهولنديون الذين طردوا البرتغاليين عام 1624، وبني هذا المسجد في عهدهم، وذلك بدعم من الشركة الهولندية لشرق الهند، وعهد ببنائه إلى تاجر صيني مسلم اسمه داتو شمس الدين بن أروم. جمع المسجد بين طرز العمارة الإسلامية والهندية والصينية والسومطرية، فجاء خلاصة بديعة لكل تلك المعمارات، ولم يتغير طراز بنائه، ولا موقعه منذ شيد، وإن كان شهد تغيرا في مواد بنائه، ومساحته، فقد كان مشيدا في الأول على أعمدة من الخشب، ثم استبدلت بها أعمدة من الخرسانة، ويتألف المسجد من قاعة رئيسية ومئذنة مستقلة وميضأة، ومدخل رئيسي مسقوف بني على شكل مخروطي، ويحوط أرض المسجد حائط قصير، وتلحق بالأبنية المقبرة التابعة للمسجد والتي تضم قبور رجال دين من أشهرهم سعيد عبد الله الحداد، وهو رجل علم وصلاح كان صوفياً ومدرساً مشهوراً في تلك المنطقة في القرون السابقة، وتعتبر منطقة المسجد مزاراً وتقع ضمن قرية تراثية وسياحية يؤمها السياح من نواحي ماليزيا والعالم. تأثر تصميم المئذنة بتصاميم أبنية المعابد الهندية، لكن ارتفاعها عاليا يعطيها طابعها الإسلامي، أما سقف المسجد فيحاكي العمارة الجاوية السومطرية حيث يتألف من ثلاثة مستويات يتخذ كل منها شكلاً مخروطياً وتضيق كلما ارتفع البناء، ويعطي المحراب للقاعة الرئيسية شكلها كمسجد متناغم بذلك مع المنارة، وفي القاعة الرئيسية يتجلى التأثر بالعمارة الصينية حيث صنعت التكسية والبلاطات من السيراميك الصيني، وهناك أيضاً المنبر المصنوع من الخشب الصيني الأحمر، ويشعر الداخل إليه باتساعه وهدوئه، الذي يبعث على الفرحة والسكينة، أما جدران المسجد فقد بنيت بالحجارة القوية التي حافظت على صموده عبر الزمن، وفي المدخل الرئيسي يوجد طبل كبير يعتقد أنه كان يستخدم في المناسبات الدينية خاصة أوقات الإفطار في رمضان، وكذلك يوجد مدفعان على جانبي المدخل استخدما للغرض ذاته. يضم المسجد مكتبة فيها مئات الكتب والمخطوطات الدينية التي جمعها أئمة المسجد والمدرسون فيه على مر السنين، وقد قام مسجد هولو بوظيفة بارزة في تعليم الدين والعلوم، واستطاع أن يشكل حجر زاوية في المقاومة الثقافية الإسلامية للمستعمر، وأن يكون نواة للمساجد والمدارس الدينية في ماليزيا التي حافظت على الطابع الإسلامي للبلاد بعد أن أراد المستعمرون الذين مروا على البلاد محوه بدءاً بالبرتغاليين ثم الهولنديين ثم البريطانيين ثم اليابانيين ثم البريطانيين ثانية، ولا يزال الأطفال والكبار يرتادونه لتعلم القرآن وعلوم الشرع، حيث يعتبر من أفضل المجمعات الدينية الإسلامية في دولة ماليزيا، كما أنه يتسع لعدد كبير من المصلين وخاصة في التراويح في شهر رمضان الكريم.
مشاركة :