الولايات المتحدة تعيد رسم «خريطة الولاء» في أميركا اللاتينية

  • 6/12/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لمشاهدة الجرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا وضعت الأزمات الاقتصادية والفساد، ثم الاضطراب السياسي حداً لمغامرة اليساريين في عدد من الدول اللاتينية كالبرازيل والأرجنتين، وإلى حد بعيد فنزويلا. وعلى ما يبدو فإن القوى العالمية اتجهت صوب أميركا الجنوبية، لتتابع حركات تغيير حكام الدول الكبرى في القارة اللاتينية، بطريقة مؤسسية مدعومة بتظاهرات شعبية لخلع جسد النظام السياسي الحاكم كاملاً، وإعادة ترتيب البيت في أميركا اللاتينية، بما يناسب تطلعات الولايات المتحدة في المنطقة، فمن استغلال اضطرابات إلى استعمال الدبلوماسية لترويض كوبا، بعدما كانت الداعمة الأولى لفنزويلا، إلا أن البعض يؤكد أن أهم أسباب الانحسار اليساري الاشتراكي في دول أميركا اللاتينية لا يعود إلى قوة الولايات المتحدة، ولا إلى صحة المبدأ الرأسمالي الذي تنتهجه، ولكن لضعف آليات وبدائل المذاهب الاشتراكية. ومن ينظر إلى أميركا اللاتينية يرى أن واشنطن كانت ولا تزال تعتبرها حديقة بيتها الخلفية، التي تكون دوماً مصدراً لقطف ثمارها واستغلال ثرواتها، فواشنطن على دراية بتنامي الشعور المعادي لسياستها لم تغفُ لحظة واحدة عن متابعة مجريات المرحلة الجديدة في أميركا اللاتينية، حيث نجحت مخططاتها في استدراج اليسار عبر مراوغته بسياسة الاعتراف وأحياناً الامتداح، وانقض عليه في لحظة الضعف. قبل 10 سنوات كان أغلب سكان قارة أميركا اللاتينية يعيشون في ظل حكومات يسارية، اليوم لم يتبق منها سوى القليل، بعد فوز اليمين بالانتخابات في الأرجنتين، وإطاحة حكومة حزب العمال البرازيلي، والآن جاء دور فنزويلا. وفي تشيلي، حكم سيباستيان بينييرا، مرشح اليمين بين 2010 و2014، قبل أن تعود ميشال باشليت يسار للحكم مجدداً العام الجاري، لكن شعبية باشليت انخفضت إلى مستويات غير مسبوقة، ما يهدد من أجندتها الطموحة للإصلاحات الدستورية والتعليمية، وإضافة إلى ذلك فإن هناك فضائح الفساد المتورط فيها ابنها، وضعف تحالف يسار الوسط الحاكم، ما يعني أن عودة يمين الوسط إلى السلطة العام المقبل تبدو مرجحة بشكل متزايد. التدخل الأميركي ومن المعروف تاريخياً أن دول أميركا اللاتينية عانت طويلاً من التدخل الأميركي في شؤونها الداخلية، وفرض سياسات وأيديولوجيات خاصة على قادتها. ومن ناحية ثانية، شكلت أميركا اللاتينية مكاناً مثالياً لنشوء المشاعر المعادية للولايات المتحدة، وظهور جيل من السياسيين لا يترددون في انتقاد سياساتها والتصدي لغطرستها. وإن كان البعض يجزم أن حركة التغيير والاضطرابات التي تشهدها هذه الدول جاءت بتخطيط أميركي إلا أن البعض يؤكد أن اليساريين سهلوا من مخططات واشنطن في المنطقة، حيث إن اليساريين حينما فازوا بالرئاسة عنونوا شعاراتهم على رفع الحرمان عن الفقراء ومكافحة الفساد إلا أنهم حين تقلدوا فعلياً السلطة تراجعوا عن وعودهم في محاربة الفساد، ومنهم من تورط بإيعاز خارجي في ملفات مشبوهة، إلا أن التهمة الموجهة لرئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف لا علاقة لها بملفات الفساد، وتتخلص في القيام بمناقلات في أبواب الموازنة، من دون علم البرلمان، لغرض سد بعض الثغرات وتقليص العجز. وكانت الحكومات السابقة لجأت إلى الأسلوب نفسه من دون أن تتعرض لمساءلة قانونية. الجيل الاشتراكي روسيف مثل رئيس فنزويلا الراحل هوغو شافيز، وإيفو موراليس (بوليفيا)، ودانيال اورتيغا (نيكاراغوا)، تمثل الجيل الاشتراكي من زعماء أميركا اللاتينية، الذين تحدوا الغطرسة والهيمنة الأميركية، وانتصروا للطبقة الفقيرة المسحوقة، فما يحدث في هو مخطط لإنهاء الحكومات التقدمية، التي رفعت المستوى الاجتماعي وحاربت الفقر، وأعادت الطبقة الوسطى. محاولة مماثلة وبعد إطاحة رئيسة البرازيل وتصويت البرلمان على تعليق مهامها والبدء في محاكمتها بتهمة التلاعب في الحسابات العامة، تتعرض فنزويلا أيضاً لمحاولة مماثلة، حيث يواجه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو هجمة شرسة من المعارضة، يصفها بأنها مؤامرة لإطاحة حكومته. الأزمة التي بدأت بقطاع الطاقة يبدو أنها تسير نحو إقالة مادورو، خاصة بعد إجراء مشابه طال الجارة البرازيلية. وبعد إعلان التقارب بين هافانا وواشنطن، تجد فنزويلا الحليف الرئيس للنظام الكوبي، نفسها معزولة ما قد يرغم رئيسها إلى التخفيف من لهجة خطابه الناري تجاه الولايات المتحدة على خلفية أزمة اقتصادية خطرة. الأزمة الاقتصادية التي ضربت فنزويلا في ظل حكم مادورو، تلقي الحكومة الاشتراكية باللوم فيها على الانهيار في أسعار النفط العالمية والـحرب الاقتصادية، التي يشنها خصومها ضدها، ومن المعروف أن واشنطن رفضت الاعتراف بمادورو رئيساً لفنزويلا، ومنذ أن استلم السلطة تراشقت كاراكاس وواشنطن الاتهامات، حيث اتهمت الأولى الأميركيين بالتآمر عليها والسعي لتدبير محاولة انقلاب فيها. ورغم واقعية أغلب تصريحات حكومة فنزويلا بأن الغرب يريد تغيير النظام في بلادها، إلا أن الأكثر واقعية هو أن تزايد الاحتجاجات الشعبية في البلاد لم يكن سياسياً في المقام الأول، بل كان اقتصادياً، بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية وسط أزمة متفاقمة تضمنت نقص المواد الغذائية والأدوية وتكرار انقطاع الكهرباء. ورغم أن هناك مؤشرات بالفعل لوجود حرب اقتصادية وحصار مفروض على فنزويلا، بسبب خروجها عن الخط الأميركي، إلا أن مراقبين أكدوا أن الرئيس الفنزويلي منح خصومهم الداخليين والخارجيين الفرصة والذرائع الكافية لتحويل الرأي العام من مساند للحكومة إلى محبط ويائس. وفى نهاية 2015 ،أجريت الانتخابات البرلمانية وحصلت المعارضة على 112 مقعداً من أصل 167 لتسيطر على الجمعية الوطنية، وتبدأ في إسقاط مادورو، لكن المحكمة العليا في فنزويلا أصدرت حكماً في أبريل ينص على أن أي تعديل للدستور من شأنه تقليص فترة ولاية الرئيس لا يمكن أن يكون ذا أثر رجعي، وأنه لا يمكن تغيير فترة ولاية الرئيس مبدئياً إلا إذا صوت الشعب لكن المعارضة نجحت في جمع توقيعات للوصول إلى أربعة ملايين توقيع التي تتطلبها الدعوة إلى استفتاء عام، لكن الحكومة الفنزويلية اتهمت المعارضة بتزوير عدد من التوقيعات التي جمعتها لإطلاق استفتاء. ووسط هذه التطورات فإن فنزويلا تعاني حالياً تحديات كبيرة، ومنها تصميم المعارضة على إطاحة مادورو بدعم أميركي، ولكن الأهم هو التحدي الاقتصادي الذي بإمكانه قلب المعادلة. طي صفحة كيرشنر وفي الأرجنتين، خسر العام الماضي مرشح اليسار المدعوم من الرئيسة السابقة كريستينا كيرشنر، لصالح مرشح يمين الوسط ماوريسيو ماكري، وبهذا الاقتراع التاريخي تطوي الأرجنتين صفحة حكم آل كيرشنر، الذي استمر 12 عاماً بدءاً بنستور كيرشنر (2003-2007) ثم زوجته كريستينا، التي خلفته في الرئاسة. امتحان صعب يخوض اليسار امتحانات صعبة في الفترة المقبلة، إذ إن إيفو موراليس في بوليفيا تنتظره انتخابات رئاسية في العام 2019، ورافايل كوريّا في الإكوادور وميشيل باشيليه في تشيلي في 2017، وهوراسيو كارتيس في الباراغواي في 2018، وخوان مانويل سانتوس في كولومبيا في العام 2018.

مشاركة :