عانت اقتصادات الدول الغربية منذ 2012 على الأقل من القيام بتضحيات اقتصادية صارمة من دون الحصول على مكاسب تبرر هذا الاتجاه. وذكر تحليل نشره موقع بروجيكت سنديكيت أن الدول الغربية طبقت لسنوات التقشف المالي في الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، دون الوصول لأي هدف، ما يجعل الوقت مناسباً لبدء الإنفاق من جديد، والاعتراف بفشل التقشف في دعم الاقتصادات. فشل التقشف اعترف رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي على مضض بفشل سياسات التقشف حينما أعلن في الأول من شهر يونيو الحالي تأجيل زيادة ضريبة المبيعات، مع احتمالية تسببها في تراجع الإيرادات الإجمالية والدخول في ركود اقتصادي مثلما حدث في الزيادة الماضية في 2014. وتتجه منطقة اليورو للوصول للحقيقة نفسها بشأن فشل سياسات التقشف. وتكمن المشكلة في النمو المتباطئ للاقتصادات، وهو ما يقلص من معدلات نمو الأجور، ويضعف العائدات الضريبية، ويجعل من المستحيل على الحكومات سداد الديون. عوائق ومتغيرات يعتبر التقشف المالي من أكبر المؤثرات السلبية على النمو الاقتصادي حالياً، حيث إنه كلما خفضت الحكومات من العجز تسارع معدل تباطؤ النمو، ما يجعل من الصعوبة بمكان سداد الديون، لتواصل الدولة دورة التقشف. ولا يعمل التقشف بهذه الطريقة دوما، حيث إنه في ذروة أزمة التضخم في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وحينما تسبب طلب المستثمرين لعلاوات ضد التضخم في ارتفاع تكاليف الاقتراض، أدى ارتفاع العجز إلى زيادة أسعار الفائدة طويلة الأجل بشكل أكبر، في حين تسبب خفض العجز في هبوط الفوائد. وكانت هذه التجربة وراء سعي صناع السياسات المالية الأوروبية في 2010 لتبني سياسة تقشفية، بافتراض أن خفض الطلب الحكومي سوف يرفع الاستثمارات الخاصة في منطقة اليورو. ويشير الواقع إلى أن الزمن قد تغير، حيث إن العالم لم يعد يعيش في عصر التضخم، بل على النقيض تشهد اليابان وبعض دول أوروبا انكماشاً في الأسعار، بينما يسجل التضخم مستوى صفر في المملكة المتحدة، بينما يرتفع بوتيرة ضعيفة في الولايات المتحدة. كما أن تكاليف الاقتراض طويل الأجل عند أدنى مستوياتها على الإطلاق، وهو ما سجلته خلال السنوات الخمس الماضية، ما دفع سياسات التقشف للتأثير سلباً على النمو الاقتصادي وعدم الاستفادة من هبوط أسعار النفط خلال العام ونصف الماضي. ما حل الأزمة؟ لا يرى التحليل أن سياسة التيسير الكمي والتي تتضمن ضخ سيولة مالية ضخمة في الأسواق كافية لحل الأزمة، حيث إنه رغم أهميتها في أوروبا واليابان فإنها فشلت في تحفيز الاستثمارات الخاصة وخلق الوظائف ونمو الأجور. وقد تكون التدخلات المباشرة في الأجور أمرا مطلوبا، حيث قامت المملكة المتحدة بزيادة الحد الأدنى للأجور، كما من المقرر أن تشهد بعض الولايات الأمريكية زيادة مماثلة، في حين تواجه اليابان ركوداً في الأجور، رغم نقص العمالة، ما قد يجعلها أكثر الدول استفادة في حال العمل في هذا الاتجاه. كما يظهر مجال واسع لبرامج مماثلة في الولايات المتحدة أيضاً، حيث إن هذا الإنفاق يمكن أن يساعد على ارتفاع العوائد الضريبية من خلال زيادة التوظيف ورفع الأجور. وشدد التقرير على أنه في أوقات انخفاض تكاليف الاقتراض وهبوط التضخم لا تعتبر سياسات التقشف حلاً للاقتصاد، وإنما على الحكومات التخلي عن هذه الأفكار والتوجه نحو زيادة الإنفاق.
مشاركة :