كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على حق في مستهل استقباله لعامه الثالث على قمة السلطة بتأكيده الصارم على تبدل الأوضاع الأمنية ومظاهر الاستقرار تماماً في البلاد إلى الأفضل مقارنة مع الفترة التي أعقبت وصول الإخوان للسلطة في مصر وكذلك بعد خلعهم بعدما كلفوا البلاد الكثير من الخسائر، ليست المادية أو الاقتصادية فقط ولكن كذلك المعنوية والنفسية والمجتمعية وكل ما له علاقة بالتوترات الأمنية والسلوكية. ولم يكن كل ذلك سوى نتيجة طبيعية لغطرستهم وتكبرهم على الشعب والسلطة معاً ورفضهم لكل أصوات العقل والمنطق التي طالبتهم بإجراء إصلاحات عاجلة قبل فوات الأوان، ولكنهم أثبتوا بغبائهم السياسي أنهم لا يقرأون التاريخ البعيد فحسب ولكنهم أيضاً لا يتأملون ولا يعتبرون من الأحداث القريبة التي مرت بالمجتمع المصري. ولنتصور معاً هذا السيناريو الافتراضي للواقع السياسي المصري في السنوات القليلة الماضية في ظل ظروف قاسية ومعقدة عاشتها الأمة المصرية على أعصاب مواطنيها وتوجسهم الشديد لما هو آتٍ، تنطلق بدايات هذا السيناريو من فرضية قيام الرئيس السابق حسني مبارك يوم 23 يناير 2011 بتوجيه خطاب شامل إلى الأمة المصرية بدلاً من مخاطبة هيئة الشرطة خلال احتفالها في اليوم ذاته بعيدها السنوي قبل الموعد المحدد بيومين، وأيضاً قبل يومين من اندلاع شرارة ثورة الخامس والعشرين. لنتصور أن مبارك في هذا اليوم فتح عقله وقلبه للشعب وتحدث إليه بصراحة وشفافية معلناً عن ثورة إصلاحات سياسية حقيقية وشاملة. وإذا كان خبراء العلوم السياسية يؤكدون أن لا مجال للمسائل الافتراضية في تحليل المواقف، وإذا كان الكثير منهم يرفضون مقولة أن التاريخ يعيد نفسه، إلا أن اللجوء لذلك كان ضرورياً ومنطقياً ولو من منطلق ما أشبه الليلة بالبارحة حتى يمكن للقائمين على أمور البلاد والعباد التصرف بحكمة تجنب الناس ما هو أسوأ عندما تتشابه ظروف الأزمات. ولهذا ليس المقصود في تصور السيناريو السابق إظهار أخطاء مبارك ونظامه في إدارة أزمة الخامس والعشرين من يناير سواء قبل تفجرها أو خلال اشتعالها وتصاعدها، فقد قيل وكتب الكثير من التحليلات في هذه المسألة بالفعل، وإنما الهدف هو كيفية التعامل مع الموقف الطارئ الذي ينم عن خطورة بادية للعيان وتحتم التدخل العاجل من أولي الأمر لنزع فتيل الأزمة قبل انفجارها في وجوه الجميع. الحديث هنا ليس عن إجراءات أمنية لحماية المنشآت أو مصالح الدولة، فمثل هذه الإجراءات لم تفلح في حماية نظام أصبح آيلاً للسقوط في أي مكان من العالم أو إنقاذه، وإنما الحديث عن إجراءات تساعد على تحقيق حالة وفاق وطني ومجتمعي حقيقية في إطار عملية سياسية واضحة المعالم. وذلك من منطلق أن الجسد الوطني لا يحتمل في ظل الأزمات مزيداً من التمزق أو التشرذم أو الانهيارات الاقتصادية والأمنية، وبرغم أن عالم التحليلات السياسية يجب ألا يرتكز على الوعظ والإرشاد وتوجيه النصائح، إلا أن الضرورات تبيح المحظورات، وما حدث في مصر وقت حكم جماعة الإخوان والرئيس محمد مرسي كان يحتم تكاتف الجميع وتسابقهم بالإصلاحات الضرورية لتفويت الفرصة على الوصول إلى ما هو أسوأ. وفي هذا السياق كان مرسي مطالباً بإلقاء البيان الذي لم يلقه الرئيس السابق حسني مبارك عشية الأزمة الكبرى إلى عموم الشعب وليس إلى الأهل والعشيرة لتخفيف حالة الاحتقان التي سادت البلاد معترفاً بالأخطاء التي وقع فيها الإخوان، مبدداً المخاوف الحقيقية الكامنة في نفوس المصريين من مشاهد أخونة الدولة المتتالية والتي لم تخطئها عين حيث كان الناس غير آمنين على حاضرهم ومستقبلهم، غير مطمئنين في بيوتهم وأعمالهم، غير راغبين في القيام بمبادرات حياتية حتى ولو على المستوى الشخصي لأنهم بالفعل أصبحوا غير مطمئنين على أرزاقهم ومصادر دخلهم. وحتى القوى السياسية التي رأت وتابع معها الشعب كيف أن الحوارات الوطنية الجارية والمناقشات للقوانين ومشروعاتها تحولت جميعاً إلى ما يشبه حوار الطرشان، ولاشك في أن السياسات التي عاشتها مصر في ظل الحرية والعدالة ومرسي تتحمل الجانب الأعظم من هذه النتائج الغير مرجوة والتي أغرقت البلاد في مرحلة انتقالية جديدة أكثر توتراً وأشد ألماً بدون مبادرات جادة تعيد للبلاد توازنها المفقود. إلا أن الإخوان واصلوا غطرستهم وتكبرهم ولم ينتبهوا للمخاطر الجسيمة التي أمسكت بتلابيب البلاد، فانتفض الشعب في الثلاثين من يونيو ليخلعهم من قمة السلطة ويزيحهم من الحكم وكأنه ينتقم منهم شر انتقام لأنهم رفضوا قراءة التاريخ والحاضر قراءة صحيحة ولأن الرئيس مرسي تجاهل بياناً مهماً كان ضرورياً أن يلقيه الرئيس السابق مبارك إلى الأمة وكان كفيلاً بتفريغ البخار المكتوم في صدور الجماهير الغاضبة.
مشاركة :