القرآن دليل محمد بن راشد إلى سعادة الدنيا والآخرة

  • 6/21/2016
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

يبدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قصيدته ابتهال وحقك بعبارة وحقك، وهي قسم، بمعنى أحلف بحقك، ولا يكون المقسوم به في العربية إلا شيئاً عظيماً جليلاً مقدساً لدى المتكلم، وهكذا هنا فحق الله، جليل وعظيم، جدير بأن يقسم به، وأن يستحضر في النفوس حتى تعترف لبارئها به، وتستشعر عظمته في القلوب، ومجمل حقه يتلخص في التعظيم والعبادة، وهذا ما بينته جملة المقسوم عليه استحق لك السجود، لأن السجود هو أبلغ حالات التعبير عن التعظيم والعبادة، ولذلك جاء في الأثر أن أقرب ما يكون العبد لربه حين يكون ساجداً، ففي السجود تذلل من الناحية الشكلية، لأن الجبهة تكون وهي أعلى ما في الإنسان، تكون في أخفض حالاتها، وتتعفر بالتراب، وقد فهم مشركو قريش هذا المعنى حين أمروا بالسجود لله، وامتنعوا لذلك عن السجود، تكبراً وأنفة من أن يروا جباههم في الأرض، فالسجود خضوع تام لله، وهو يستحق ذلك لأنه الرب الخالق الذي خلق الإنسان وسوّاه، وشق سمعه وبصره، وأعطاه القوة وركب فيه العقل، وسخر له الكون كله، فبهذا الكرم الذي ما بعده كرم، والعطاء الذي لا يدانيه عطاء، لزم على الإنسان أن يعبده، بل الوجود كله بما فيه من دواب وأنعام وشجر وحجر يعبده يعبدك الوجود، وهذا مصداق لقوله تعالى وإن من شيء إلّا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليماً غفوراً. ثم يعود صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في البيت الثاني بنفس صيغة القسم وحقك لكن المقسوم عليه هو ما لملكك من شريك، وفيه تنزيه لله عن الشريك والمثيل، فهو فرد صمد لا ند له ولا شبيه، وهذه هي عقيدة التوحيد التي أمر الناس بها، وكل دعوى غيرها باطلة مردودة، ضل أهلها عن الحق، ولذلك أقسم الشاعر على توحيد الله بالربوبية والعبودية يقيناً وإيماناً منه بذلك. وفي البيت الثالث بنفس النسق وحقك، ينتقل الشاعر إلى صفة جديدة بعد استحقاق العبادة والتوحيد، صفة المغفرة التي يتصف بها الله جل شأنه، ويصوغها بصيغة المبالغة غفار لأن صفات الله مطلقة لا تدانيه صفات الخلق، ولا حدود لها، فهو يعفو مطلقاً، ويغفر لعبد وافاه متذللاً تائباً من ذنبه، وفي إعادة القسم ثلاث مرات في مطالع الأبيات الثلاثة المتوالية، نوع من التوكيد على حق الله، ونوع من الموسيقى المؤثرة التي تعزز ذلك التوكيد، وتعطي للأبيات سلاسة وانسياباً. وحقك إستحق لك السجود ومنك الجود يعبدك الوجود وحقك ما لملكك من شريك لك التوحيد وحدك يا ودود وحقك أنت غفار الخطايا وعفوك ما له أبداً حدود وبعد الاعتقاد المتمثل في توحيد الله بالربوبية والعبادة، يأتي العمل الذي يعبر عنه سموه بقوله شهدنا فالشهادة عمل، بل هي أهم ركيزة في عمل المؤمن، والمدخل الذي به يدخل حظيرة الإيمان، ومن دونها لا يقبل له عمل، وهي شهادة أن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ويظهر تأثير القرآن في الأبيات من خلال الإشارة إلى شهادة الملائكة، في قوله بما شهدت ملائكك الشهود، إشارة إلى قوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، وكاستحقاق لما يترتب عن هذه الشهادة، يستنزل الشاعر رحمة ربه على عباده المؤمنين الذين وحدوه بالعبادة، لأنه عفو كريم ورحمته عظيمة، وقد أوجبها لمن أطاعه واتقاه، قال تعالى ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون، وهو جل شأنه أهل لذلك لأنه المعطي بغير حد، الذي لا يعجزه شيء، يعم مخلوقاته بعطاياه، ولا ينقص ملكه عطاء، لأن خزائن كل شيء بيده، وهو المتصرف فيها بمشيئته. وينتقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في البيت الثامن إلى صيغة النداء إلهي وإضافة ياء المتكلم في آخر الاسم هنا فيها نوع من القرب والخصوصية الذاتية التي تنقل الخطاب من عمومية الارتباط بالمؤمنين إلى خصوصية ذات الشاعر، وتفتح له طريق البوح بكوامنه الإيمانية، والاعتراف بالعبودية لله، والافتقار إليه سبحانه، فهو الذي إليه المرجع عند مداهمة الخطوب، فلا يستطيع كشفها إلا هو، ولا ينجي من الأخطار أحد سواه، وفي هذا إشارة لقوله تعالى قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً، ويسترسل الشاعر في تلك الخصوصية الإيمانية التي تربطه بربه، معلناً لربه أن كتابه هو دليله، الذي يسير على هديه، وهو الورد الذي يرد إليه عطشان فيصدر منه ريان قد تشربت نفسه معاني الإيمان واستشعرت قربها من الديان، صاحب الملك السرمدي الذي لا يزول، ولا يتغير مهما تغيرت الأزمان والأكوان، والملك الذي لا شبيه له، ومن جاءه معترفاً راغباً وجد عنده ما يطلبه، وفاز بالسعادة، وأي سعادة أعظم من نعيم الجنان التي يتكرم الله بها على عباده المؤمنين، يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: إلهي أنت وحدك لا شريك إليك إذا دهى خطر نعود كتابك لي دليل أقتديه إليه الوِرد إن وجب الورود وملكك دائم لا يعتريه زوال حق للملك الخلود في عموم الأبيات تحضر معاني توحيد الله تبارك وتعالى وتنزيهه والاعتراف له بالعبودية، واستعطافه لرحمة عباده المؤمنين، وفيها خشوع للنفس أمام استشعار تلك العظمة، ما فتح الباب للشاعر للتجول في تلك الصفات الجليلة، والتغني بها، وتمجيد الله في عليائه. لحظة الصفاء الروحي الابتهال هو التضرع إلى الله والدعاء بخشوع تام لطلب المغفرة منه جل جلاله، ورمضان شهر عبادة وصيام، فرضه الله على عباده تزكية للنفوس وتربية للأبدان، وغذاء للقلوب. وقد أنزل الله تعالى في رمضان القرآن الكريم ليكون هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، فألفه العرب المسلمون وعاشوا في ظلاله الوارفة بالرحمة والخير والبركات، وهم أهل فصاحة وبلاغة وحكمة أدركوا المعاني الجليلة للقرآن الكريم، في حين أنهم لم يهملوا الشعر، فالشعر ديوان العرب كما يرى ابن عباس، فإذا خفي علينا، والكلام لابن عباس، الحرف من القرآن الذي نزله الله بلغة العرب، رجعنا إلى ديوانها فالتمسنا معرفة ذلك منه. نعم، إن شعر الابتهال شجرة نور يتجلى ضياؤها في عمق العطاء الإنساني، فعندما يبدع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله أشعاره الجميلة ذات المعاني العميقة الرفيعة، فإنه بذلك يعبر عن حاجة النفس البشرية للمحبة والصفاء والتسامح والسلام. ابتهال وحقك يبرز أروع الأبيات ذات المعاني الزاخرة في روعتها وحسنها، ويحاكي المجد الشعري في ذروة انبلاجه كفجر ينبئ بولادة إبداع جديد. نعم، المصغي للموسيقى الشعرية وللرهافة في ابتهال وحقك يشعر بلذة المفردة ويتذوق عذوبة اللفظ ويلتحم مع المعنى الذي يهيمن على روحه وقلبه ووجدانه. من منا لا يستمتع وهو يقرأ هذا الابتهال الذي جاء بمفردات مختارة بعناية فائقة ودقة عالية، لأنها في الأساس مبنية على خبرة كبيرة وثقافة شعرية عميقة الجذور. ولذلك نجد المترادفات تتكثف في قصيدة سموه، حين يقول في بداية استهلاله: وحقك إستحق لك السجود ومنك الجود يعبدك الوجود إن الشاعر في لحظات الخشوع يكون مشغولاً بنفسه، وبما قدم لآخرته أكثر من انشغاله بأمور الحياة الدنيا، وهو يرجو الله أن يغدق عليه من وافر رحمته وعفوه: عبادك نحن فأنظر يا إلهي برحمتك العظيمة إذ تجود يعيش الشاعر الفارس في هذا الابتهال قمة التوحيد والخضوع والتذلل إلى الله تعالى والرجوع إلى كتابه الكريم، حيث يقول في ذلك: وحقك ما لملكك من شريك لك التوحيد وحدك يا ودود إلى قوله: إلهي أنت وحدك لا شريك إليك إذا دهى خطر نعود كتابك لي دليل أقتديه إليه الوِرد إن وجب الورود ويقر الشاعر في خاتمة ابتهاله بأن السعادة ليست في الدنيا وزخرفها ومباهجها المتنوعة، إنما بحب الله واتباع أوامره واجتناب نواهيه، وهو الوفاء العظيم من العبد إلى خالقه عز وجل. إن المطلع على شعر الابتهال يلاحظ أن أبرز الخصائص أو السمات التي تقوم عليها قصيدة الابتهال، تتمحور حول موضوعات معروفة، منها: التضرع لله عز وجل بأسمائه وصفاته، والتعبير عن الخضوع والتذلل له، والإقرار بالمعاصي والذنوب، والتعبير عن الندم والخوف من عذاب جهنم، ومن أهوال يوم القيامة، إلّا أن ابتهالات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تأخذ القارئ إلى أبعد من ذلك، حيث تصعد بك إلى آفاق جديدة. رصانة العبارة وجزالة اللفظ يكتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في قصيدته ابتهال وحقّك، فيضاً روحانياً متعالياً، يكشف فيه عن تجليات الصفو التعبدي في شهر رمضان المبارك، مشرعاً أمام القصيدة باب الابتهال والتضرع إلى الله عز وجل. ينسج سموه في قصيدته علاقة وثيقة بين روحانية الحالة التعبدية للنص الشعري، واللغة الرصينة التي يكتب بها، فتظهر قصيدته محكمة البناء الشعري، ومسبوكة برصانة العبارة وجزالة اللفظ، ومتعالية بجلال مناجاة الله وتلمس نعمه وكبير فضله. وتظهر بلاغة اللغة الشعرية، وتجليات العلاقة الروحانية للعبد مع ربه، في الارتكان إلى أسماء الله الحسنى في القصيدة، والانتقال بعذوبة العارف، والعابد، والشاعر الفصيح، بين ذكر قدرة الله وجلال رحمته، وضعفنا ورجائنا لمغفرته، وصولاً إلى التوقف عند فضل القرآن الكريم، والختام بتوصيف ملكوت الله وعظمة قدرته. يستهل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قصيدته بأربعة أبيات، تذكر بوحدانيته، وحجم مغفرته، وعفوه، فيقول: وحقك استحق لك السجود / ومنك الجود يعبدك الوجود، وحقك ما لملكك من شريك/ لك التوحيد وحدك يا ودود، وحقك أنت غفار الخطايا / وعفوك ما له أبداً حدود، شهدنا أنك الصمد المزكَّى/ بما شهدت ملائكك الشهود. تنكشف قدرة سموه على توظيف التكرار في صيغته التعبدية، وتوظيف أسلوب القسم، كواحد من الأساليب اللغوية المستخدمة في بناء عبارات الجلال والعظمة، فيستهل الأبيات الثلاثة الأولى بقوله: وحقك، فاتحاً الباب على قداسة المقسوم به، ليؤكد وحدانية الله، وعظمته، إذ يختم أبيات القسم بقوله: شهدنا أنك الصمد المزكى/ بما شهدت ملائكك الشهود، والشهادة باب التسليم الواسع، وعتبة الخضوع لجبروت الله جل شأنه. يستحضر سموه كرم الله، وفيض نعمته، بقوله: وتعطي السائلين بغير حد/ ولو كثرت ببابكم الوفود، فاتحاً الباب على واحدة من صور التجلي الصوفي لجلال الله وحجم فضله، إذ يعطي السائلين بلا حد، حتى لو جاءت البشرية جمعاء ترجو رحمته وفضله، منطلقاً في ذلك من مرجعيات النص القرآني، والحديث النبوي الشريف، حيث قوله تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم. وبعد أن يعود ليؤكد وحدانية الله بقوله إلهي أنت وحدك لا شريك/ إليك إذا دهى خطر نعود، ويصل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في الأبيات الثلاثة الختامية، إلى ذكر فضل القرآن عليه، ويبجل ملك الله، فيقول: كتابك لي دليل اقتديه/ إليه الورد إن وجب الورود، وملكك دائم لا يعتريه/ زوالٌ حُقّ للملك الخلود، وأنت الله مالك من شبيهٍ/ ومن وافاك وافاه السعود. يتجلى في الأبيات الأخيرة تعلق سموه بتعاليم القرآن، وقدرتها على رسم دروب السلام والهناء الداخلي للإنسان، فيصور ملك الله وخلوده، ويشبه القرآن بالنبع الصافي الذي يرد إليه الظمآن ليرتوي بعد العطش، مؤكداً أن من يوافي الله حتماً سيظل في سعادة أبدية، وهناء. تكشف القصيدة قدرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على تكثيف المعاني، واستنهاض طاقة اللغة للوصول إلى مساحة بين صفاء الشعر، وعلو الابتهال والتضرع، فتظهر العبارة الشعرية في القصيدة قائمة على سلسلة من المرجعيات الواسعة التي لا يطل منها سوى مفردات منتقاة بحاسة الشاعر، يمكنها أن تحيل القارئ إلى عوالم من التجلي الصوفي، والصفاء الروحاني. المحرر الثقافي

مشاركة :