في لقاء الإعلامي علي العلياني الأخير مع الشاعر فهد عافت في برنامج (يا هلا رمضان) سأل العلياني عن حالة الغرور والنرجسية لدى الشاعر والتي تجلّت بصورة واضحة في كلام سابق قال فيه: لن يغيب فهد عافت عن ذاكرة الناس حتى وإن غاب عن الحياة، وقد أجاب عافت إجابه ربما تكون مُقنعة إلى حدٍ ما، تعوّذ في بدايتها من الغرور وذكر بأن حالة الغرور حالة ملازمة للشعراء، لكن غروره يكون داخل القصيدة وداخل إطار الشعر ولا يكون خارج هذا الإطار، وأضاف بأن ما تفوّه به كلام شفهي عابر لا يبقى كما يبقى الكلام المكتوب! نرجسية الشاعر وإعجابه الشديد بموهبته ظاهرة تبرز في أشعار وتصريحات العديد من الشعراء العرب الكبار كعمر بن أبي ربيعة والمتنبي ونزار قباني وآخرين غيرهم، وقد يتقبلها المتلقي عندما يكون للشاعر إنتاج مميز يشفع له استطاع من خلاله لفت الانتباه وتكوين قاعدة جماهيرية عريضة، لكن السيئ هو أن النرجسية تبرز أيضًا في قصائد وتصريحات شعراء أصحاب مواهب هزيلة وتجارب غير مؤثرة، وقد بلغ غرور بعضهم إلى حد التبرع بمنح أنفسهم الألقاب الرنانة ومقارنة إنتاجهم بإنتاج الشعراء العمالقة الذين لا يمكن الاختلاف على تميزهم. حقيقةً أعجبني تعقيب وتوضيح المبدع فهد عافت لتصريحه السابق ومحاولة تخفيف نبرة النرجسية بتقليله من شأن كلام ورد في لقاء إعلامي عابر، فالتواضع سمّة رائعة تزيد من جاذبية المبدع وتُعلي من مكانته في القلوب، وقد ذكرتني إجابته بإجابة جميلة لنزار قباني جاءت كرد على سؤال: هل تعتقد أن شعرك سيكتب له الخلود؟ فقد كان متوقعًا من قباني الذي اشتهر بنرجسيته المفرطة أن يتحدث بإعجاب عن شعره ويقطع بخلوده، لكنه خالف المتوقع وأجاب بتواضع وواقعية قائلاً: كلمة خلود كلمة دراماتيكية جدًا ومسرحية جدًا، وأنا لا أشغل بالي بالخلود، بقدر ما أهتم بالوجود، ما دمتُ قادرًا على تغطية المساحة العاطفية للعصر الذي وُجدتُ فيه، فهذا إنجازٌ جيد، أمّا العصور القادمة فسيكون لها شعراؤها. المبدعون البعيدون عن أضواء الإعلام في الحاضر وعن بلاط السلطة السياسية في الماضي هم أكثر من نتوقع بُعدهم عن النرجسية، وهم من نتوقع أن تأتي نبرة التواضع عالية في كلامهم وفي أشعارهم، لكن المؤسف هو أن كلام هؤلاء لا يُحفظ ولا يُدون إلا نادرًا بحكم بُعدهم عن دائرة اهتمام النقاد والإعلام، ويُمكن أن نستشهد عليهم بنموذج واحد هو الشاعر خالد الكاتب (ت262هـ) أحد أجمل وأرق شعراء الغزل، إذ كان يعتذر قبل إنشاد قصائده بالقول: إنّ شعري ليس من الشعر الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’إنّ من الشعر لحِكمًا‘‘. وإنّما أمزح وأهزل! أخيرًا يقول محمد الذرعي: أهواه واللي يذبح بكلمة أهواه آهين: بـ أولها، وفي مُنتهاها!
مشاركة :