تجاوز عصر النفط منفذ صقور الخليج إلى المستقبل ... (1 - 2)

  • 6/21/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الناشر:صندوق النقد الدولي المؤلفون :رضا شريف ،وفؤاد حسنوف ،ومين زو يعرض كتاب تجاوز عصر النفط ــ منفذ صقور الخليج إلى التنويع الاقتصادي، الصادر عن صندوق النقد الدولي، الثنائية الحرجة التي تواجهها الدول المصدرة للنفط والمتمثلة في فطام اقتصاداتها عن عوائد التصدير والمدخل الأمثل لاستراتيجية التنويع الاقتصادي، التي تضمن الحفاظ على مستويات مرتفعة من العائدات الحكومية ومشاركة القطاع الخاص في خلق الوظائف. يقع الكتاب الذي شاركت في تأليفه نخبة من خبراء الصندوق وهم رضا شريف وفؤاد حسنوف ومين زو نائب مدير الصندوق، في 185 صفحة موزعة على أحد عشر قسماً خصص كل قسم منها لتناول واحد من الموضوعات الرئيسية أو التجارب الناجحة التي خاضتها بعض الدول الآسيوية والأمريكية اللاتينة في التحول من الاعتماد على تصدير المواد الأولية وخاصة النفط، إلى تنويع أنشطتها الاقتصادية خاصة في ظل تطور تجارب اقتصاد المعرفة القائم على توظيف التقنيات الرقمية المعاصرة. ويدعو الكتاب دول النفط الساعية وراء التنويع الاقتصادي إلى تغيير نموذجها الاقتصادي المهيمن رغم ما ينطوي على ذلك التغيير من خيارات مؤلمة، واعتماد نموذج اقتصادي يقوم على الابتكار. ويشيد الكتاب بتجارب تنويع اقتصادي يمكن لدول الخليج الاستفادة منها اعتمدت على توفير الحوافز للشركات والأفراد بالتزامن مع توظيف تقنيات متطورة لدعم قطاعات اقتصادية تحقق عوائد تصدير بديلة. ويركز الكتاب على خصوصية تجربة الدول المصدرة للنفط في إجراء التغييرات المنشودة كونها تحمل الحكومة العبء الأكبر في عملية توفير الحوافز فضلاً عن سن التشريعات التي تضمن الانتقال السلس نحو اقتصاد المعرفة. ومن المرجح أن تعترض عملية التنمية بعض العقبات غير المتوقعة، ولا يمكن حينها التراجع عنها لأنها ستؤدي إلى تلاشي فرص تحقيق الأهداف المرجوة، حيث لن يكون هنالك سبيل إلا تخطيها، ما يؤدي إلى تحقيق التنمية والتنوع الاقتصادي المرجو. وتعتبر عملية التنمية الاقتصادية مسألة معقدة جدا يمكن أن تقود صناع القرار إلى التردد وإبعاد أنفسهم عن الدخول في هذا التحدي المعقد، خصوصا في الدول التي تتمتع بعائدات نفطية ضخمة. وكما يظهر هذا الكتاب فإن دول مجلس التعاون الخليجي ومعها معظم الدول النفطية لا سبيل آخر لها إلا مواجهة هذه التحديات والعمل على تخطيها. إن السعي وراء تحقيق التنمية الاقتصادية ومعدلات النمو المرجوة بطرق جديدة مسألة لم تبلغ منتهاها حتى الآن. وتتمثل أكثر المسائل صعوبة في تحديد العوامل التي تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية أو العوامل التي تسهم في إبطائها، وهي الثروة التي تتأتى من التجارب التاريخية والإجراءات القياسية المتبعة في المؤسسات الكبرى والسياسات المرتبطة بها. وتمثل الدول المصدرة للنفط في الإطار الكبير للخبرات التنموية فئة جديرة بالاهتمام والدراسة، نظرا لافتقارهم - جزئيا- لقواعد الإنتاج المتنوع على الرغم من السيولة المالية الكبيرة التي تتدفق إليهم من العائدات النفطية. ورغم أن العائدات النفطية الضخمة حسنت من معدلات جودة الحياة والرفاهية في الدول المصدرة للنفط، فإن العديد منها لا يزال متأخرا من الناحية التكنولوجية، فضلا عن وجود تنوع اقتصادي كافٍ فيها، حيث تعتمد ميزانياتها على العائدات النفطية وتتأتى معظم عائداتها المالية منها أو من منتجات أو صناعات تحويلية أخرى مرتبطة بها. أهمية الإسراع في التنويع وأكد انخفاض أسعار النفط العالمية منذ أواسط العام 2015 وخلال الإعداد لهذا الكتاب، الأهمية الكبيرة للإسراع في تنويع اقتصادات الدول المصدرة للبترول. وخلال هذه الفترة انخفضت أسعار النفط العالمية بأكثر من 50% وظلت كما هي عليه، معيدة إلى الأذهان الانخفاض الكبير الذي شهدته في حقبة الثمانينات إلى التسعينات. ولا يزال المواطنون وصناع القرار في الدول المصدرة للنفط يتذكرون المحنة العظيمة التي واجهوها وقتئذ. ولم تتحقق الآمال المرتبطة بالتنمية والرفاهية المطلقة بفضل العائدات النفطية، بل إنها أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض مستويات المعيشة وديون كبيرة على عاتق تلك الدول. وقد عانت الدول المصدرة للنفط مما يمكن وصفه بالكساد العظيم الذي استمر لنحو 30 عاما، حيث انخفض الاستهلاك الفعلي للفرد وسطيا بنحو 20% منذ العام 1980 وعاود ارتفاعه إلى نفس المستوى مع بداية الألفية الجديدة في الوقت الذي شهدت فيه أسعار النفط العالمية ارتفاعا مطرداً. وفي هذا لم يُعِد التاريخ نفسه، بل أنه يترتب عدم تجاهله. ويمثل التعامل مع انخفاض أسعار النفط العالمية الآن في ظل ارتفاع النفقات الحكومية وبالتالي زيادة الوظائف أكثر تحديا مما مضى. وبعد أن تعلمت الدول النفطية من التجارب التاريخية السابقة، فإن العديد منها أنشأت صناديق سيادية ضخمة خلال فترة انتعاش النفط منذ بداية الألفية الجديدة، بيد أن تلك الصناديق لن تسد بالتأكيد الفجوة الكبيرة التي خلفها انخفاض العائدات النفطية. ومع الزخم الذي صاحب الاستثمارات في قطاعات الطاقة، إضافة إلى الاقتصادية في استهلاك الوقود والطرق الأخرى الاكثر تقنية في استخراج النفط والغاز وارتفاع معدلات استخدام السيارات الكهربائية، فإن الانخفاض الكبير في أسعار النفط أصبح من المعقد جدا التحكم فيه والتحول السريع إلى قطاعات أخرى تغطي الفجوة المتعاظمة التي خلفتها أو سيخلفها انخفاض عوائد النفط. وسواء ظلت أسعار النفط في مستوياتها الحالية أو ارتفاعها مجددا في المستقبل القريب، فقد حان الوقت الآن لطرح أسئلة جوهرية حول آفاق وطبيعة اقتصادات الدول المصدرة للبترول. ويتمثل السؤال الأهم في معرفة الكيفية التي سيتم بها التحرر من اعتمادية اقتصادات الدول المصدرة للنفط عليه وتمهيد الطريق نحو نمو مستدام. وعلى الرغم من المسلسل المتواصل لانخفاض أسعار النفط والتقلبات والكوارث المالية المرتبطة به، فإن العديد من المراقبين يرون أن التطور التكنولوجي والتنوع الاقتصادي يجب ألا يكون أولوية قصوى لدى الدول ذات المداخيل العالية من النفط، والتي تمتلك منه احتياطيات كبيرة. فوفقا للعديد من النظريات الحديثة فإن المسألة الأهم التي يترتب على الدول الغنية بالموارد الطبيعية تخطيها تندرج تحت 3 فئات، تتمثل الأولى منها في خلل في عملية إعادة توزيع الثروات لتصل إلى كافة المواطنين. ويجادل البعض بالقول أنه وإذا ما كانت هنالك طرق فعالة في توزيع الثروات بطرق عادلة ومتساوية بين فئات المجتمع، فإن مستويات المعيشة ستشهد تحسنا مطردا. أما الفئة الثانية فهي أن المشكلة الأساسية التي تواجهها الدول الغنية بالموارد الطبيعية هي في أنماط السياسات المالية المتبناة، والتي من المفترض أن تعمل على إدارة التقلبات المالية وتأسيس خطط واستراتيجيات طويلة الأمد للحفاظ على الثروة للأجيال المقبلة. أما في الفئة الثالثة، فإن التحدي الاكبر يتمثل في عدم وجود مكونات قياسية يمكن الاعتماد عليها لضمان معدلات نمو مستقرة. وتتضمن المكونات الأساسية أدوات ضبط السياسة المالية والانفتاح بدرجة أكبر على التجارة والتدفقات المالية من الخارج والخصخصة وتطوير البنى التحتية ومرونة سوق العمالة، إضافة إلى رفع العوائق والعقبات التنظيمية والقانونية الخاصة بأداء الأعمال التجارية. خلاصة القول هي أن تقلب الأسواق الذي تلعب فيه الحكومات دورا كبيرا يؤدي إلى صعوبة إقلاع تلك البلدان إلى آفاق جديدة. وتنحصر غالبية المواضيع التي تتم مناقشتها في مسألة التنوع الاقتصادي في الدول المصدرة للنفط في هذا الإطار، وهي تهيئة البيئة الاقتصادية المناسبة لتعزيز النمو الاقتصادي وتطوير القطاع الخاص. يناقش هذا الكتاب طرق تبني نماذج اقتصادية أكثر تنوعا تكون على رأس أجندة السياسات المتعلقة بها في الدول التي تعتمد في عائداتها على النفط وإيضاح الطرق التي يمكن بها تحقيق ذلك التنوع بوتيرة أسرع ونتائج أكثر واقعية من معدلات النمو. وعلى الرغم من أهمية إدارة الثروات النفطية والحفاظ على جزء منها للأجيال المستقبلية، فإن إيجاد حلول لهذه المشاكل لن يحمي الدول المصدرة للنفط من اعتماديتها الكبيرة على النفط بالنظر إلى الانخفاض الكبير الذي يضرب القطاعات الأخرى، وهو الأمر الذي شهدته هذه البلدان على مدى العقود الماضية. ويستعرض الفصل الأول من هذا الكتاب الانخفاض الدراماتيكي الذي ضرب العائدات النفطية وملحقاتها خلال ال 30 عاما الماضية لدى الدول المصدرة للنفط وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي. وحتى وفي أوقات انتعاش أسعار النفط العالمية فإنها لن تتمكن من مواجهة الانخفاض الآتي بلا محالة. كما يناقش الكتاب ويؤكد في فصله الأول أن وصفة النمو المتبعة في تلك البلدان غير كافية لتحقيق الأهداف الاقتصادية المتنوعة، علاوة على أن عدم وجود معدلات نمو مستقرة يعمل على زعزعة قطاع السلع الاستهلاكية. التعلم من دروس الماضي ويركز هذا الكتاب إجمالا على دول مجلس التعاون الخليجي، نظرا لأن خبراتهم في التعاطي مع الأوضاع الاقتصادية ذات الاعتمادية العالية على النفط تفتح آفاقا جديدة للنظريات الاقتصادية ودور النفط في التنمية وتحقيق الرخاء والاستقرار للشعوب. وحققت هذه الدول بفضل النفط معدلات جيدة في مستويات جودة الحياة وغيرها، إلا أن الأمر أكثر ارتباطا بالنتائج الإجمالية طويلة الأمد والتي تمت الإشارة إليها في هذا الكتاب. كما أنجزت هذه الدول العديد من المشروعات الكبرى مثل مشاريع البنى التحتية ذات الجودة العالية علاوة على أنها فتحت أبوابها للتدفقات المالية والعمالة الأجنبية القادمة من الخارج، إضافة إلى تمتعها بضرائب تكاد تكون معدومة. ويعرض الكتاب الخبرات التاريخية والتحليلات النظرية الخاصة باختلاف الطرق التي تبنتها الدول في تحقيق تنمية مستدامة طويلة الأمد عبر اتباع طرق ممنهجة ومدروسة. ويجمع الكتاب العديد من الآراء والنظريات الاقتصادية والمالية الخاصة بأكاديميين وصناع قرار من مختلف أنحاء العالم. وتغطي فصول الكتاب عدة مناطق حول العالم تتضمن منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا وأمريكا الجنوبية، فضلا عن أنه يجمع بين عدد من المفاهيم المرتبطة بالاقتصاد والتاريخ والعلوم السياسية والتنمية الاجتماعية. ويوفر الكتاب الذي يعتبر بمثابة دراسة تجمع اختصاصات عدة نصائح عملية للمستقبل مع إلقاء الضوء على الماضي والتعلم من دروسه. يناقش الجزء الأول من الكتاب المحاولات التي قامت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتحقيق التنوع الاقتصادي، ويلقي الفصل الأول أيضاً نظرة شاملة على نموذج دول مجلس التعاون الخليجي والتجارب التاريخية التي مرت بها وعلاقة تلك التجارب بالعديد من النظريات والآراء. وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي مهمة صعبة تتمثل في صعوبة توجيه نماذجها التنموية إلى خلق نماذج اقتصادية متنوعة بالتخلي عن اعتماديتها الكبيرة على العائدات النفطية، وذلك لتعزيز معدلات نموها وتقليل الاعتماد على القطاعات الحكومية وخلق فرص وظيفية أكثر في سوق العمل. وتتلخص فكرة الفصل الأول في أن التنمية المستدامة تتطلب وجود قطاعات استهلاكية متنوعة قابلة للتداول بمعدلات كبيرة في منتجاتها من السلع والخدمات. النجاح والفشل في التجارب الاقتصادية أما الفصل الثاني في الكتاب فيركز على النجاح والفشل في التجارب الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخصوصا في كل من الجزائر والسعودية، اللتين صاحبتهما طفرات تصنيعية منذ السبعينات. ومن خلال تجربة هاتين الدولتين، يناقش الفصل مزيج السياسات التي تؤدي إلى تحقيق تنوع مستدام في اقتصاداتها التي تعتمد أساسا على النفط. ويعتبر رأس المال البشري والتعليم من أهم العناصر التي تعزز من وجود قاعدة صادرات متينة. وتعتبر تجربة الدولتين اللتين تعتبران الأكثر سكانا في الوطن العربي في إنشاء بنيتيهما الصناعيتين بموارد محدودة من رأس المال البشري نموذجا يستحق الدراسة والمتابعة، حيث تؤكد خبراتهما أن تأسيس قاعدة بشرية كبيرة قبل الطفرة الصناعية الأساسية ليست ضرورية، وأنها لا تمثل عقبة أمام ذلك. ويتطرق الجزء الآخر من الفصل الثاني إلى التجارب التي مرت بها دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، بينما يسرد الفصل الثالث من الكتاب التحول الاستثنائي الذي شهدته سنغافورة منذ أواسط الستينات، وتحولها من مدينة ساحلية فقيرة إلى واحدة من أغنى الدول على مستوى العالم. التطور التكنولوجي والتدفقات المالية يناقش الفصل الثامن من الكتاب أهمية التطور التكنولوجي والتدفقات المالية وتمكين المرأة وريادة الأعمال وغيرها من المسائل التي تعتبر من الأهمية بمكان لتحقيق معدلات النمو المرجوة. وتشير نتائج الدراسة إلى أن تنوع القطاعات الصناعية يزيد من وتيرة تحسن مخرجات الاقتصاد في جميع عناصره، مع التأكيد التام على أهمية التنوع في مصادر الدخل والإنتاجية. ويناقش الفصل أيضاً البرامج الحكومية المختلفة المستخدمة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لدعم الابتكار في قطاعات محددة. ويقدّم الفصل التاسع من الكتاب ما تم استخلاصه من العملية الشاملة للتطور الصناعي في البرازيل، والذي يتعمق فيه فيما قامت به الدولة لتطوير قطاعاتها الصناعية، والدور الذي قام به بنك التنمية البرازيلي في تعزيز معدلات نمو الدولة. كما يوضح الفصل ويناقش قصص النجاح والفشل التي صاحبت السياسات المالية والاقتصادية والدروس والعبر المستخلصة منها في سرد واقعي وشائق لبعض الأحداث والأمثلة. أما الفصل العاشر فيركز على حركة سيمول أوندونغ في كوريا، وهي المسألة التي يمكن أن تكون الحلقة المفقودة بين الأسواق وسياسات التنمية الحكومية. وقد ساهم سيمول أوندونغ بلا شك في التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته كوريا، ليس من منظور كونه قائداً لحركة مجتمعية، بل كآلية للاندماج الاجتماعي. وقد تكللت جهود الحركة بالنجاح؛ بسبب إيمانها بالأهمية القصوى للمشاركة المجتمعية في كافة مراحل التطور الاقتصادي والاجتماعي، والتي تأتي مدعومة بواسطة الإطار الحكومي الذي يستوعبها، إضافة إلى الهيكلة المجتمعية. ويلقي الفصل الحادي عشر والأخير من الكتاب، الضوء على الدروس المستخلصة من الماضي، والتي يمكن الاستفادة منها في حاضرنا اليوم.

مشاركة :