الناشر:صندوق النقد الدولي المؤلفون:رضا شريف،وفؤاد حسنوف،ومين زو يعرض كتاب تجاوز عصر النفط منفذ صقور الخليج إلى التنويع الاقتصادي، الصادر عن صندوق النقد الدولي، الثنائية الحرجة التي تواجهها الدول المصدرة للنفط والمتمثلة في فطام اقتصاداتها عن عوائد التصدير والمدخل الأمثل لاستراتيجية التنويع الاقتصادي، التي تضمن الحفاظ على مستويات مرتفعة من العائدات الحكومية ومشاركة القطاع الخاص في خلق الوظائف. يقع الكتاب الذي شاركت في تأليفه نخبة من خبراء الصندوق وهم: رضا شريف وفؤاد حسنوف ومين زو نائب مدير الصندوق، في 185 صفحة موزعة على أحد عشر قسماً، خصص كل قسم منها لتناول واحد من الموضوعات الرئيسية أو التجارب الناجحة التي خاضتها بعض الدول الآسيوية والأمريكية اللاتينية في التحول من الاعتماد على تصدير المواد الأولية وخاصة النفط، إلى تنويع أنشطتها الاقتصادية، خاصة في ظل تطور تجارب اقتصاد المعرفة القائم على توظيف التقنيات الرقمية المعاصرة. يناقش هذا الجزء من الكتاب الملامح الرئيسية للنماذج الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي النماذج التي يجتمع معظمها في الاعتماد على النفط كمورد أساسي وتركز الأنشطة الاقتصادية في القطاعات غير المتداولة تجارياً والتي لا تتصلب عمالة ماهرة. وقد تمحور الكتاب في هذا الجزء حول الإنجازات الهامة التي تحققت خلال العقود الماضية والتطور الكبير الذي شهدته التنمية البشرية والبنى التحتية، ولكن فيما يتعلق بالأداء الاقتصادي، فإن تلك النماذج أدت إلى جمود في أداء اقتصادات مجلس التعاون الخليجي إجمالاً، إضافة إلى أن دولاً عديدة من خارج هذه العصبة استطاعت تجاوز معدلات أدائها. وقد ظهر جلياً افتقار اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي للقطاعات غير النفطية التي تسهم بصورة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي لها. وركز الكتاب على دراسة العديد من النماذج الاقتصادية في الدول المنتجة للنفط، والتي تتسم غالبيتها بالاعتمادية الكبيرة على النفط، بيد أن هنالك نماذج كانت أكثر مرونة وقابلية حتى في اعتماديتها عليه. وقد نجحت بعض الدول في تبني تنوع بدرجة ملحوظة في خضم التراجع الكبير لأسعار النفط. وركز الكتاب في هذا الجزء على الطرق الأكثر فعالية لتحقيق لتنوع الاقتصادي وقابلية تطبيقه قبل فوات الأوان، حيث إن القطاعات غير المتداولة تجارياً هي أكثر القطاعات إثارة للقلق في أداء اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. ويتوجب التأكيد هنا على أن أكثر المعوقات صعوبة في سبيل تحقيق التنوع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي تتمثل في إخفاق السوق، وليس الإخفاق الحكومي، وهي الركيزة الأساسية التي تحتاج إليها الشعوب لكي يطرأ تغيير كبير فيها. وعلى الرغم من أن هنالك فرصة جيدة لتحسين بيئة الأعمال التجارية والبنى التحتية، فإن من المرجح ألا يكون هنالك ما يكفي لتعزيز وتحسين أداء القطاعات غير النفطية. وفي سبيل تحقيق ذلك، فإنه يترتب على الحكومات تغيير الهيكلة التي تحفز بها اقتصاداتها لتشجيع الأفراد على العمل في القطاع الخاص وتأسيس الأعمال التجارية، إضافة إلى تشجيع المؤسسات والشركات على توسيع أعمالها لتشمل الأسواق العالمية، عوضاً عن المحلية فحسب، والبحث عن فرص تصدير منتجاتها وخدماتها إلى الخارج. كما يترتب على تلك الدول تحسين وتطوير أنظمتها التعليمية، خصوصاً المراحل الأولية من التعليم، وتنفيذ برامج اجتماعية تعزز من إمكانية تحقيق تلك الأهداف. وقد أكدت الخبرات الكبيرة والتجارب المتعددة أن بعض الدول الأخرى في المنطقة والتي تبنت سياسات تنوعية، قد ألحقت تلك الإجراءات بخليط من التنوع الأفقي في صادراتها الموجودة سلفاً، بجانب التنوع الرأسي في سلاسل التوريد التي تسهل طريقها نحو التصدير. وقد عكس الكتاب الأهمية القصوى لهذه الطريقة التي يجب أن يتم تبنيها بواسطة حكومات المنطقة، في سبيل تغيير طرق تحفيزها لاقتصاداتها الوطنية لتحقيق الأهداف المرجوة. وقد استخدمت دول المنطقة خليطاً من السياسات لتحقيق هذه الغاية، بما في ذلك صناديق للمشاريع المشتركة وبنوك التنمية ووكالات الترويج للصادرات، بجانب تطوير مهارات العمل والاهتمام بترقية الأنظمة التكنولوجية الموجودة لديها، إضافة إلى تعزيز تنافسيتها في الأسواق العالمية. وفي تلك الدول، فإن وجود بعض التنسيق في استراتيجيات التنوع سيكون أمراً إيجابياً لضمان ألا تتساوى هذه الدول في تطوير قطاعات بعينها، وبالتالي تداعيها مع بعضها البعض في أوقات الأزمات التي تضربها. نماذج من النجاح والفشلفي تحقيق التنوع الاقتصادي حققت دول مثل إندونيسيا وماليزيا والمكسيك بعضاً من التنوع الاقتصادي الذي خططت له، إلا أن التجربة الماليزية تستحق المتابعة والتدقيق أكثر من غيرها، حيث نجحت ماليزيا إلى حد كبير في توسيع حجم صادراتها وتطوير قطاعاتها الصناعية بأن أصبحت في مصاف الاقتصادات ذات القطاعات الصناعية المتطورة حول العالم. وتبنت الدولة استراتيجيات صناعية محددة لتحقيق أكبر قدر ممكن من التطور التكنولوجي، وقد اعتمدت في ذلك على التطوير الأفقي والرأسي للصناعات، إضافة إلى الصناعات المرتبطة بالموارد الطبيعية التي تملكها. وفوق ذلك كله استخدمت ماليزيا نموذجاً متميزاً في التدخل الحكومي لتعزيز نمو أسواقها وقطاعاتها الاستهلاكية وبعض القطاعات التي اعتبرت التدخل فيها أمراً ضرورياً. وتعد ماليزيا التي يمكن اعتبارها مثالاً لهذا الفصل من الكتاب غنية بمواردها الطبيعية مثل زيت النخيل والنفط، وهما من القطاعات التي تعتبر الأكثر نشاطاً ضمن منظومتها الاقتصادية. وتبنت الدولة سياسات رأسية لتحقيق أنشطة ذات قيمة إضافية لمواردها الطبيعية المرتبطة بقطاعاتها الصناعية. وقد أدت التدخلات الحكومية في بعض القطاعات إلى نتائج متباينة. ففي قطاع النفط، أسست الدولة شركة بتروناس الشهيرة في فترة السبعينات، والتي أصبحت بعد فترة ليست طويلة واحدة من أكثر شركات البترول نشاطاً بامتلاكها لأكثر من 30 موقعاً حول العالم، وتركزت عملياتها في التنقيب والاستخراج والتكرير، فضلاً عن العديد من الأنشطة الأخرى المرتبطة بقطاعات النفط والغاز حول العالم. وقد اعتبرت وقتها واحدة من أكثر شركات النفط ربحية على مستوى العالم. وركزت ماليزيا في سيتنات القرن الماضي على استراتيجيات جيدة تمحورت حول التركيز على الصناعات الثقيلة التي تتمثل في صناعات الصلب والأسمنت والسيارات. وفي سبيل حماية هذه الصناعات قامت الدولة بالتدخل في السوق عبر فرض بعض الرسوم وتحديد معدلات الدعم التي تتلقاها، وذلك بإنشاء شركات حكومية، رغماً عن أن الكثير من شركات الصناعات الثقيلة تمت خصخصتها جزئياً على الأقل في مراحل أخرى. الميزة المقارنة: كيف تحولتسنغافورة إلى نموذج ؟ شهدت سنغافورة خلال بضعة عقود فقط تحولاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً منقطع النظير، وتحديداً منذ استقلالها في العام 1965. وقد تضمنت استراتيجية سنغافورة للتطوير الصناعي العديد من العناصر التي ساهمت في التطور الذي حققته. وخلال فترة الستينات ركزت سنغافورة على تأسيس الأعمال والصناعات التي تتطلب الكثير من العمالة. وكان الناتج المحلي الإجمالي للدولة في ذلك الوقت 2.2 مليار بالعملة المحلية، وهو ما يعادل 0.7 مليار دولار أمريكي، وارتفع معدل الدخل الشخصي طوال السنوات الخمسين الماضية ليصل إلى 54662 دولاراً متصدرة بذلك دول العالم. ويمكن تفسير هذا التطور الكبير والنمو الهائل الذي حققته سنغافورة بأنه نتيجة لتبني نظريات اقتصادية معينة لكل مرحلة من مراحل التطور، ما أدى إلى تحقيق معدلات نمو هي الأعلى والأسرع على مستوى العالم حديثاً. وقد تركزت خطط سنغافورة في مراحلها الأولى على الصناعات التي تتطلب الكثير من العمالة، بهدف إشراك أكبر قدر ممكن من المواطنين في عمليات، تعلم الحكومة أنها ستعود عليهم في عدة أشكال، على الرغم من أن الطفرة الصناعية التي بدأت بوادرها في ذلك الوقت كانت أمراً جديداً عليها، بعد أن اعتمدت الدولة خلال فترة استعمارها على الأنشطة التجارية. وما ساعدها على تحقيق هذا النمو السريع القيادة الذكية ذات الأفق الواسع، والتي ركزت في نظريتها منذ البداية على توطين الصناعة والتخطيط الجيد للمشروعات الكبرى من بنى تحتية وغيرها وتنفيذها في الوقت المحدد لها. وقد تكفل مجلس التنمية الاقتصادية الذي تم تأسيسه بعد فترة من الاستقلال بالقيام بالتخطيط الصناعي في سنغافورة، إضافة إلى خطط التنمية والترويج للاستثمارات الأجنبية. وفي منتصف السبعينات ساهم القطاع الصناعي في نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، معززة نجاح تجربة التحول من مركز تجاري إلى اقتصاد يستند إلى الصناعات. وعند الأخذ في الاعتبار القيود التي كانت تحيط بالأسواق المحلية وقلة المواد الخام وقتها، فقد عمدت الحكومة إلى الترويج الفعال لصناعاتها وإبراز الدولة كمركز جذب للاستثمارات العالمية. وصاحبت الطفرة الصناعية التي شهدتها سنغافورة في تلك الفترة المبكرة من تحولها تركيزاً كبيراً على التنمية الاجتماعية والاستثمار فيها، حيث تعكس السنوات ال 50 الماضية من النمو المطرد ما وصلت إليه في هذا المجال. وتضمنت العناصر التي استوجبت تحقيق التنمية الاجتماعية في سنغافورة إنجاز العديد من مشاريع البنى التحتية اعتماداً على الاستثمارات التي يتم ضخها فيها، إضافة إلى مشاريع الإسكان العملاقة. وفي سبيل تحقيق هذه الأولويات أسست الدولة في العام 1960 مجلس الإسكان والتنمية الذي يُعنى ببناء منازل منخفضة التكلفة ضمن مجمعات سكنية، وبعد إنشاء ذلك المجلس فإن نسبة 9% فقط استخدموا هذه المساكن، مقارنة بنحو 80% خلال السنوات الماضية. ووضعت السلطات السنغافورية في العام 1971 الخطط الأولية واللبنات الأساسية للعديد من المشاريع الكبرى، مثل المشاريع الإسكانية التي تقع خارج المدن، إضافة إلى البنى التحتية الخاصة بوسائل النقل العام التي تمثلت في مطار شانجي الدولي، وإنشاء خطوط سكك حديدية للقطارات. وبدأت سلطة إعادة التطوير الحضري أيضاً في اتخاذ إجراءات للحفاظ على المباني التاريخية في سنغافورة، بسبب ما تمثله من ربط بين ماضيها ومستقبلها، حيث تتحكم السلطة حالياً في نحو 7200 مبنى تاريخي. وتتعاون السلطة في عملها مع العديد من الهيئات الحكومية الأخرى لتحقيق أهداف مشتركة فيما بينها، مثل مجلس الحدائق الوطني الذي يُعنى بتخضير سنغافورة عبر افتتاح الحدائق العامة والبساتين والساحات العامة، إضافة إلى تبني نظام الزراعة على الواجهات الرأسية للمباني. بدأت حقبة السبعينات بالتركيز على القطاعات التي تتطلب العمالة الماهرة كنعصر أساسي، ومن هنا جاء تحول التوجه الحكومي من الاعتماد على القطاعات العمالية العادية إلى الاعتماد على قطاعات صناعية أكبر تعتمد في المقام الأول على العمالة الماهرة، حيث أنشأت الحكومة العديد من المعاهد الفنية والحرفية، إضافة إلى ابتعاث عدد كبير من طلابها للدراسة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة واليابان. وقد سعت الحكومة حثيثاً لجذب الاستثمارات الأجنبية من القارة الأوروبية وشمال آسيا عبر ترسيخ مكانة الدولة كمركز تجاري عالمي يضم كافة العناصر المطلوبة لسلاسل التوريد. وبعد فترة قصيرة تدفقت إلى سنغافورة استثمارات ضخمة في قطاع الصناعات التكنولوجية، التي تضمنت إنتاج أجزاء الحواسيب الآلية وألواح السيليكون وغيرها. التنوع والاقتصاد : دور الحكوماتفي دعم التطور الصناعي تتخذ الاقتصادات الفردية في نجاحها لتحقيق النمو الاقتصادي عدة طرق مختلفة، ولطالما كان اختلاف تلك الطرق في تحقيق الازدهار والاستقرار الاقتصادي مسألة محيرة للاقتصاديين وصناع القرار. ويركز الكتاب في هذا الفصل على تأثير التنمية في القطاع الصناعي وفي معدلات النمو والمقاييس الأخرى للناتج الاقتصادي، وكيف يمكن لصناع القرار المساهمة في تعزيز التنوع الصناعي. بالنظر إلى أن التنوع الصناعي يؤدي بلا شك إلى معدلات ثابتة من النمو الاقتصادي، فإن هذا الفصل يناقش العديد من الحالات التي تدخلت فيها الحكومات لدعم قطاعاتها الصناعية عبر الإشراف المباشر على المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتطويرها، وذلك بدعمها مالياً بطريقة مباشرة وغير مباشرة، وتقديم الاستثناءات الضريبية والضمانات المصرفية وغيرها. وتؤكد حيثيات الفصل الأهمية الاستراتيجية للمبادرات الحكومية في تطوير التنوع القطاعي، حيث إنه وبدون وجود هذا الدعم، فإنه يكون من الصعب جداً تحقيق معدلات النمو المرجوة بالسرعة المطلوبة بذات التركيبة الاجتماعية والموارد المتوافرة. وبالنسبة لصناع القرار، فإن هذا الفصل يرسل إشارات قوية مضمونها أن الجهود المبذولة في تطوير ودعم القطاعات الصناعية يؤدي إلى تحقيق معدلات نمو متوازنة طويلة الأمد. دروس من تجارب الماضي أكد هذا الكتاب الأهمية المتعاظمة لوجود قائد يقود الدفة في التطور والنمو، سواء أطلقنا عليها دولة تنموية أو دولة تستند إلى قاعدة الأعمال الحرة. إن معجزة النمو الاقتصادي التي حققتها النمور الآسيوية خصوصاً سنغافورة وكوريا تؤكد أهمية ووجوب وجود قائد لدفة النمو، فقد أظهرت تجارب هذه البلدان الآسيوية الكيفية التي تحقق بها الدول الأهداف التنموية التي حددتها لنفسها. إن بناء وتأسيس قطاع ديناميكي نشط للمنتجات الأكثر تداولاً لدعم معدلات النمو ما هو إلا الإطار الذي ركز عليه هذا الكتاب، حيث ناقش دور الحكومات في توطين القطاعات الصناعية والتشجيع على جعل الابتكار عنصراً أساسياً في كافة مراحل التنمية، والاستثمار في رأس المال البشري وسد الفجوات الموجودة في القوى العاملة أو رؤوس الأموال أو البنى التحتية أو المفاهيم التي تشجع على الابتكار. ومن أهم العوامل الأخرى التي تساهم في تحقيق النجاح تضمين القطاع الخاص في الجهود والاستراتيجيات المبذولة في التنمية، بسبب أنها تعتبر أحد الأعمدة الأساسية لها.
مشاركة :