كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الطلاق كظاهرة أصبحت متفشية في المجتمعات، بل تحولت إلى مشكلة شبه مستعصية تهدد أركان المجتمع، لما لها من آثار سلبية تمس بشكل مباشر أو غير مباشر جميع أفراد المجتمع. حيث تبين إحصائيات وزارة العدل في دولة الكويت أن حالات الطلاق خلال السبعة الأشهر الأولى لعام 2014 تمثل نسبة 50,6% من إجمالي حالات الزواج، خصوصا بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 29 سنة، وتعتبر هذه النسبة عالية على مستوى الدول العربية. وهنا يطرح السؤال نفسه، لماذا ازدادت معدلات الطلاق بهذا الشكل الكبير؟ وما هو أثر الطلاق على الأفراد والمجتمعات؟ وكيف نحد من هذه الظاهرة التي تحولت إلى مشكلة مدمرة للمجتمع؟ إن الطلاق بمعناه الشرعي يعني حل عقد الزواج (فسخ عقد النكاح)، حيث يمكن أن يكون الطلاق رجعياً بمعنى يمكن الرجوع عنه، أو بائناً ينهي العلاقة الزوجية. ولن نخوض في أحكامه متى يكون مكروهاً أو جائزاً أو غير ذلك، لكننا نعرف أنه «أبغض الحلال عند الله»، بمعنى أنه مباح عندما يصبح لاستمرار الزواج أضرار ومشاكل أكثر بكثير من المشاكل الناتجة عن الطلاق. إن للطلاق أسباباً كثيرةً لا تتسع الصفحات لذكرها فهي تختلف من شخص لآخر وتختلف باختلاف المجتمعات، وتختلف داخل المجتمع الواحد، وسنركز على أهم هذه الأسباب: أولا: الزواج المبكر، وغالباً ما يكون بضغط من الأهل الذين يرغبون أن يفرحوا بأولادهم ويروا أحفاداً لهم، وخشية أن يفوت بناتهم قطار الزواج، لذلك تراهم يتكفلون بمصاريف كل من الزوجين، وفي هذه الحالة لا نستطيع أن نعتمد على نضوج الزوجين لصغر سنهما، حيث لا يزالان يجهلان الثقافة الأسرية، ناهيك عن الضغوط الاقتصادية، وعدم القدرة على تحمل أعباء الحياة الزوجية. ثانياً: عدم التوعية الحقيقية من قبل الأهل والمجتمع لكلا الزوجين بأمور الزواج وقدسية الحياة الزوجية ومسؤولياتها. ثالثاً: تدخل الأهل والأقارب في كل شاردة وواردة في حياة كل من الزوجين، وخاصة عند نشوب الخلافات بينهما، مما يقلل من فرص التقارب ويمنع الزوجين من العودة إلى جادة الصواب. رابعاً: التهرب من تحمل المسؤولية من أحد الزوجين، وتحميل هذه الأعباء للطرف الآخر الذي سيرى في الطلاق خلاصه من تلك الأعباء والمسؤوليات، خصوصا بعد أن يكبر الأطفال، وهذا ما يفسر حدوث حالات من الطلاق بعد زواج استمر لسنوات طويلة. خامساً: اللجوء إلى عديمي الخبرة في حل المشكلات الزوجية، كالأصدقاء وبعض الأهل، بدلاً من اللجوء إلى المتخصصين وأهل الخبرة في الأمور الحياتية والاجتماعية. وهناك أسباب كثيرة أخرى ترتبط بتطور المجتمعات مثل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجي والعولمة والتي قد تكون أسباباً وجيهة أو سخيفة، لكنها بالنتيجة قد تصبح أحد أسباب الطلاق, إذا ترافقت بالعناد والتمسك بالرأي لإثبات الشخصية ولو على حساب هدم الأسرة وتدميرها. ورغم أن المسؤولية الأكبر في الطلاق تقع على عاتق الرجل، إلا أن ذلك لا يعفي أن للمرأة دورا في ذلك، حيث ينتج عن الطلاق آثار جمة, منها ما يصيب الزوج كالاكتئاب والقلق بالإضافة للضرر المادي من تبعات الطلاق. أما بالنسبة للزوجة وهي الجنس الأضعف في مجتمعاتنا فسوف يصيبها ما يصيب الزوج من كآبة وقلق وأعباء مادية، بالإضافة إلى أنها تصبح مدانة كيفما تصرفت، والطامة الكبرى هي في الأذى الذي سيصيب الأولاد، بسبب حرمانهم من عطف الأبوين، وضعف الإشراف وفقدان الإحساس بالأمن والذي قد يؤدي للانحراف. وبالتالي تهتز كل أركان المجتمع بسبب هذا الجيل الناشئ والمشبع بالإحباط والأمراض النفسية. علماً بأن الطلاق يكون أحياناً هو الحل الوحيد والأمثل في حال استحالة استمرار الحياة الزوجية، لأن فيه حماية للزوجين والأولاد من التوتر والقلق الناتج عن كثرة المشاكل والخلافات بين الأزواج. وإذا كنا لا نستطيع أن نمنع الطلاق، إلا أننا قادرون ببعض الخطوات أن نحد من هذه الظاهرة إلى أقصى درجة ممكنة، من خلال إتباع بعض النصائح والإرشادات. أولاً: الزواج في سن مناسبة، بعد إعداد الابن والابنة لهذه المرحلة، وبعد أن نغرس فيهم قيم تحمل المسؤولية، وتبصيرهم بالحقوق والواجبات الملقاة على عاتقهم بعد الزواج. ثانياً: الإحساس بالمسؤولية تجاه الأولاد، والاتفاق على توزيع مسؤوليات الأسرة بين الزوجين. ثالثاً: يمكن تجاوز الكثير من أسباب الطلاق بامتلاك ثقافة التعامل مع أسباب الطلاق، وتغليب لغة الحوار وغض النظر عن بعض الأمور الخلافية غير ذات الأهمية. رابعاً: منع التدخل في شؤون الأسرة والأزواج من قبل المحيطين من الطرفين، خصوصا الأهل والأقارب حتى لا تتفاقم الخلافات عند حدوثها، لأن في التدخل دعم لعناد الطرفين. خامساً: تفعيل دور المجتمع المدني في توضيح أهمية الحياة الزوجية وقدسيتها، وعمل لجان تقوم بحملة منظمة ومكثفة لمتابعة حالات الطلاق وعلى المدى الطويل، حتى تبقى هذه المشكلة ضمن الحد المعقول والمقبول. سادساً: إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية لضبط إجراءات عمليات الطلاق، بما يخدم مصلحة الأسرة والمجتمع. سابعاً: عند تفاقم الخلاف يمكن اللجوء لطلب المشورة من أهل الحكمة والاختصاص، وتجنب الآراء غير الواعية واللامسؤولة. إن تفشي ظاهرة الطلاق والتي تحولت إلى مشكلة اجتماعية، تتطلب تضافر كل المجتمع بدءاً من المدرسة وحتى البرامج التثقيفية في الوسائل الإعلامية، والدورات الإرشادية، ومكاتب إصلاح ذات البين. كلها مدعوة للتعريف بأهمية الأسرة والحفاظ عليها، والتوعية بأخطار تفتتها، وقدسية الحياة الزوجية من خلال برامج توعية مستمرة، سعياً للوصول إلى الحالة الاجتماعية الطبيعية وللحفاظ على الأمن المجتمعي ككل، وصحة أفراده وخاصة النفسية، فسلامة المجتمع تنبع من سلامة أفراده ومكوناته. * مدرب الحياة والتفكير الإيجابي Twitter: t_almutairi Instagram: t_almutairii talmutairi@hotmail.com
مشاركة :