بين رغبة التواصل وعدم وجود "تأشيرة دخول ثقافية" يجد الشاعر والكاتب والمبدع حرجاً كبيراً حين توجه له دعوات في المغرب أو مصر أو الأردن، أو أي بلد عربي، ولا يتمكن هو أو مؤسسات رسمية وغير رسمية من توجيه دعوة ثقافية كإقامة أمسية لشاعر عربي يأتي خصيصاً ولأيام معدودة للمشاركة في فعالية ثقافية. شعراء وكتاب ومثقفون شددوا على أن عدم وجود "تأشيرة ثقافية" تخدم الشأن الثقافي من ناحية التواصل الثقافي مع نظرائهم في البلدان العربية تعتبر حاجباً للثقافة التي تصدرها المملكة التي يعيش فيها أدباء وشعراء وكتاب يشار لهم بقوة في مجالاتهم، ما يمنع إتاحة الفرصة للتعرف على المشهد الثقافي السعودي عبر جانب التواصل المباشر، ف"حين يأتي شاعر عربي لإحياء فعالية شعرية داخل المملكة سينقل كل ما شاهده من نمو كبير عن المشهد الشعري السعودي، والأمر نفسه في الحقول الثقافية الأخرى". حسب قول الشاعر سعود الفرج. * أهمية التأشيرة الثقافة. ويطالب المهتمون بالشأن الثقافي ب"أهمية الشروع في سن قوانين تنظم عملية إصدار الفيزا الثقافية، تماما كنظيرتها من فيز العمل، السياحة" وعلى الرغم من ميول مثقفين كثر لهذا التوجه، إلا أن رئيس النادي الأدبي في المنطقة الشرقية خليل الفزيع، يرى على الصعيد الشخصي أن لا حاجة ل"التأشيرة الثقافية" التي تخول الشاعر أو الكاتب أو المسرحي دخول المملكة، كشاعر أو مثقف لمدة محددة يقضيها على أراضي المملكة ثم يغادر، كما هو الشأن في الفيزا السياحية وغيرها، مردفاً قوله: "إن الثقافة لا تستورد بفيزا لأنها ليست مهنة، بل هي هم دائم يعيشه المبدع أينما كان، ويصل إلى المتلقي أينما كان، وهل يجد مثقفونا فرصا متكافئة في الوظائف، لنستورد مثقفين، ثم إن جعل الثقافة مهنة يسترزق منها المثقف، فيه إهانة للثقافة والمثقفين، المثقف يمكنه العطاء والتواصل في أي مهنة يعمل بها ولا أجد في هذه الفكرة ما يحبذها إلى نفسي." * مطالب بإصدار التأشيرة. الشاعر فريد النمر، يؤكد على أنه من المهم منح إصدار قانون يسمح بظهور التأشيرة الثقافية، إذ يقول: "إن الفيزا الثقافية مطلب ملح للتواصل الثقافي والمعرفي لجهة الثقافة تكثر الفعاليات والمهرجانات الثقافية، وتنشط بالوطن العربي الكبير وكذلك التجمعات الصحفية والدورات والندوات الرسمية وغير الرسمية، ما يخلق جواً تفاعلياً معرفياً وثقافياً بين أجزاء الوطن العربي والإسلامي المترابط بعروبته وهويته على اختلاف تقاليده كل بلد ومصادر المعرفة لديه". ويضيف النمر: "يتطلع كثير من المثقفين لأن تحدو المملكة بما تمتلكه من مكون ثقافي واسع وشرائح هي اليوم في طليعة الأدباء والكتاب والمثقفين العرب بمختلف مناطقها ونواديها الأدبية الرسمية منها وغير الرسمية نحو استشعار حاجة المثقف للتلاقي على مائدة الثقافة باستصدار فيزا دخول للمملكة تحت مسمى تأشيرة دخول أو ما يمكن تسميته ب(فيزا ثقافية) تخضع لنفس المعايير التي تستصدر لرجال الأعمال والعمرة تناط برسوم ومدة ليست قابلة للتجديد حسب انظمة وزارة الداخلية والجوازات، بحيث تعطى للجهة الرسمية، على أن يكون المتقدم للطلب سعودي الجنسية" ويشير النمر إلى أنه يمكن وضع ضوابط مثل أن يكون للمتقدم للفيزا الثقافية مصنفاً ثقافيا، أو له منتج أدبي مطبوع تحت تصريح وزارة الثقافة والإعلام بالمملكة، وأن يكون منتسباً لنادٍ أدبي رسمي بالمملكة، وأن تكون المناسبة مرخصاً لها من الجهات الرسمية سواء كانت المناسبة برعاية رسمية أو أهلية، وأن تكون الجهة الطالبة ذات حسن سيرة وسلوك، وأن تحصل على تصريح من نادي المنطقة الأدبي التي ستقام فيها الفعالية، وأن تكون المناسبة مراعية للعادات والتقاليد والأنظمة للمملكة، وأن يقدم الطلب قبل شهر من إقامة الفعالية". * حق المثقف ويرى الشاعر علي المادح، أن من حق الجانب الثقافي سن قوانين تنظم شؤونه، ومنها إصدار "التأشيرة الثقافية" مضيفاً: "إن المؤسسات التعليمية وجهات التدريب تعطى لهم صلاحية استصدار فيزا تحت مسمى خبير، والمثقفون من حقهم فتح قناة التواصل بشكل رسمي للمثقفين والنخبويين للتواجد في الفعاليات الثقافية، وهذا مهم للغاية" مشيرا إلى أن أهم ما يبرر هذا التوجه يكمن في أن الثقافة اليوم تصدر من منطقتنا باعتبار التجربة الثقافية اصبحت أكثر عمقاً ونضوجاً وانتجت شعراء وأدباء ونقاداً يشار لهم بالبنان، كما أن المملكة بها الكثير لتعطيه ثقافيا، وهذا يجعل من المنطقة محطة مهمة للمثقفين العرب". ويمضي المادح في حديثه بأن مناطق الثقافة عربيا تغيرت، ف"سابقا كانت العراق ولبنان وسوريا ومصر، واليوم ولتوافر الظروف والبيئة الخصبة اصبحت المملكة محطة مهمة جدا" مشيرا إلى أهمية ايجاد آلية سلسة وسهلة لدخول الشريحة الثقافية من القاصدين لمنطقتنا بهدف إثراء الساحة العربية. * حضور المثقف السعودي من جانب آخر أكد المؤلف سعود الفرج، على أن للمثقف السعودي حضوراً واسعاً في الوطن العربي، كما أن الشاعر يدعى للحضور في أمسيات عربية لتميزه بين أقرانه العرب، ويتابع: "أصبح المثقف السعودي يشارك عبر المنتديات والمهرجانات الثقافية والأدبية والشعرية خارج بلادنا عبر الاستضافات والدعوات التي توجه لهم سواء على المستوى الأهلي أو الرسمي لتقديم صورة مشرقة وحضارية عن الوطن السعودي، فلماذا لا يعطى المثقف السعودي فرصة الحصول على "تأشيرة" يدعو من خلالها بعض المثقفين والشعراء من بعض الدول العربية التي سبق الالتقاء بهم لزيارة المملكة والاطلاع على المنجزات الثقافية والحضارية فيها؟ ناهيك عن المشاركة في إقامة الندوات الشعرية والثقافية أسوة بتلك الدول التي يزورها للمشاركة فيها" وقال الفرج: إن الحصول على "تأشيرة" للمثقف عمل جيد يهدف إلى تنشيط الحركة الأدبية والثقافية في بلادنا التي لا يعرف عنها عالميا، بالشكل الذي يوازي ما تحتويه من صروح ثقافية بعيدة عن أعين المثقفين العرب وغيرهم" موجه رسالته إلى وزير الإعلام قائلا: "أتمنى على وزير الثقافة والإعلام أن يحظى طلبنا هذا بعين الرعاية والاهتمام لما له من مردود إيجابي على الوطن ومثقفيه التي تدعمهم الدولة وتشجعهم على هذا المسار البناء للصالح العام، فمثل هذه الفيزا معمول بها في بعض الدول تستطيع بموجبها تقديم صورة مشرقة عن عطائها في هذه المجالات الحيوية مما ينعكس إيجاباً على نشاطاتها المختلفة". * المثقف لا يحتاج استئذاناً! يتفق الناقد محمد الحميدي مع رئيس النادي الأدبي خليل الفزيع، إذ يقول: "لنطرح السؤال بصورته المقلوبة؛ فهل يحتاج المثقف إلى "تأشيرة" تمكنه من دخول الوطن، ثمة جانب مجهول في القضية التي نتحدث عنها، فالمثقف عادة لا يحتاج إلى استئذان للدخول إلى العقول والقلوب" مستدركا: "أتفق على ضرورة إيجاد آلية تسهل مرور المثقف عبر مطاراتنا وموانئنا وطرقنا البرية، مثلما تنتشر كتبه وإبداعاته في فضائنا الثقافي". ويتابع الحميدي: "ينبغي أن يعمل على تذليل الصعوبات والعوائق أمام نمو الثقافة، لا كبحها وتدجينها عبر التفاعل الخلاق، فالملتقيات الأدبية والثقافية، والحوار المتمدن، والنقاش المثمر حركات لا تنهض بمفردها، بل تتفاعل ضمن محيط عالمي، أشبه بالكرة الثلجية التي تنمو باستمرار، كما أن انفتاح الباب لسهولة الحصول على "تأشيرة دخول ثقافية" سيقود الإبداع في الداخل إلى مزيد من الرقي".
مشاركة :