بين الحرمان «بأثر رجعي» واعتباره «عقوبة تكميلية» ضج الشارع الكويتي بتفسيرات متناقضة للتعديل على قانون الانتخاب الذي أقره مجلس الأمة أول من أمس، وتضمن حرمان المسيئين إلى الذات الإلهية والأميرية والأنبياء من الانتخابات ترشحاً وانتخاباً. وعلى مرمى بصر من «المياه الانتخابية المتحركة»، والمشرفة على اجتياز «صيف مثقل» نيابياً بكثير من العمل استعداداً لملاقاة دور الانعقاد الأخير، والتهيؤ لانتخابات 2017، ستكون لـ«التعديل الانتخابي» تفسيراته المتنوعة، في انتظار نشر القانون في الجريدة الرسمية والتقدم بالطعن فيه، وترقب قرار المحكمة الدستورية من «الحرمان». وإذ قال النائب أحمد مطيع، أحد مقدمي الاقتراح بقانون، إنه لا يجوز تطبيق الحرمان بأثر رجعي، وسّع نواب آخرون «دائرة الحرمان» ليشمل المدانين بحكم نهائي في جريمة المساس بأمهات المؤمنين والصحابة. وفي موقف حكومي تجاه التعديل، أكد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله «ان من يعيب في الذات الالهية والاميرية لا يستحق ان يكون عضوا في مجلس الامة ويدخل قاعة عبدالله السالم، لان اول عمل لاي عضو يدخل مجلس الامة هو القسَم بأن يكون مخلصا للوطن وللامير، ولذا لن يسمح لمن صدر بحقه حكم نهائي لاساءته للذات الالهية او الانبياء او الامير بأن يترشح او ينتخب، حسب التعديل الذي اقر في قانون الانتخابات في المداولتين ورفع للحكومة». وقال العبدالله «ان صدور قانون يمنع هذا المسيء من الترشح والانتخاب هو قانون منطقي ومحق ويضع النقاط على الحروف»، لافتا الى ان «القانون لن يسمح لاي فرد تحمل صحيفته الجنائية حكما نهائيا بالادانة على سند من العيب بالذات الالهية او الاميرية ان يتقدم للترشح او للانتخاب، ويعتبر محروماً منهما بقوة هذا القانون». في السياق، أكد وزير الاعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود، حول ما أشيع من أن الهدف من التعديل على قانون الانتخاب هو منع النائب السابق مسلم البراك من الترشح للانتخابات، قال «القانون جاء للتركيز على وضع ضوابط تمنع المساس بالذات الإلهية وكذلك ذات سمو الامير الذي يعتبرها الجميع رمزا للكويت، وليس له علاقة بشخوص بعينهم»، موضحا أن «الكويت والتشريعات أكبر وأهم من الشخوص، وكلنا أمل بأن تصب كل التشريعات في مصلحة وازدهار الكويت». ورأى الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي أن القانون الذي وافق عليه مجلس الأمة أول من أمس، والمتضمن تعديل بعض الأحكام في شأن انتخابات مجلس الأمة، ويحرم المحكوم عليه بحكم نهائي في الجرائم التي يكون فيها مساس بالذات الالهية أو الانبياء أو الذات الأميرية «ينطبق على من أدين بحكم نهائي، لأن النص بشكله الحالي يشي بذلك»، متداركا «إلا إذا قررت المحكمة الدستورية ان الحرمان من حق الانتخاب عقوبة تكميلية، وبالتالي لا يجوز أن تطبق بأثر رجعي». وقال الفيلي لـ «الراي» إن «باب الطعن المباشر لمن له مصلحة يفتح بعد دخول القانون حيز التنفيذ. الآن لم يكتمل القانون بصورته النهائية، بمعنى أن الطعن بعد صدور القانون في الجريدة الرسمية». وأوضح الفيلي أن «الطعن في حال تقديمه سيستند على حكم المادة 179، والمحكمة تبحث في تكييف الحرمان هل هو عقوبة تكميلية تترتب على الإدانة أم لا، وهل العقوبة التكميلية ذات طابع جزائي أم لا». من جهته، قال النائب الدكتور احمد مطيع أحد مقدمي اقتراح التعديل على قانون الانتخاب «انني تأكدت بنفسي بأن قانون منع الترشح للمسيئين للذات الالهية والانبياء والذات الاميرية لن يطبق بأثر رجعي». واضاف مطيع في تصريح صحافي: «تقدمت ومجموعة من النواب بتقديم هذا الاقتراح الذي وافق عليه مجلس الامة في جلسته (أول من امس)، موضحا انه ومجموعة اخرى من النواب تقدموا بتعديل يقضي بإضافة منع ترشح المسيئين لأمهات المؤمنين والصحابة الكرام. وتابع «نحن لا نقصد أشخاصا معينين في هذا القانون»، ومشددا على أن «هذا القانون لن يطبق بأثر رجعي». وتقدم النائب محمد البراك بتعديل على قانون 35 لسنة 1962 بإضافة فقرة جديدة إلى المادة (2) من القانون بإضافة فقرة تنص على أن يحرم من الانتخابات كل من دين بحكم نهائي في جريمة المساس بالصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين. وكان النواب محمد الجبري وفيصل الكندري وسلطان اللغيصم وفارس العتيبي وطلال الجلال تقدموا بمضمون اقتراح البراك ذاته. وحذر المنبر الديموقراطي من «استمرار السلوك المعادي للحريات العامة والعمل السياسي الذي أخذ ينتهجه عدد من أعضاء مجلس الأمة، تمهيدا لقطع الطريق أمام عدد من الشخصيات السياسية المعارضة لخوض أي عملية انتخابية مستقبلا». وقال «المنبر» في بيان صحافي: «من الواضح أن هنالك هاجسا كبيرا بعد تغير حالة المزاج الشعبي لنواب المجلس الحالي، وهو ما يعني أن الأعضاء الحاليين الذين قفزوا على الساحة السياسية بغياب قوى المعارضة الحقيقية لم يعودوا قادرين على الحفاظ على وجودهم إلا بسن قوانين وإجراء تعديلات على قوانين أخرى تستهدف أي رأي واتجاه مناهض». وأضاف أن موافقة مجلس الأمة على تعديل قانون الانتخابات الحالي في ما يتعلق بشروط المرشح «غير مقبول ومرفوض، فالحديث عن الذات الالهية والانبياء والذات الأميرية له أحكامه الخاصة، والقضاء هو الفيصل فيها، لا الرغبات والأهواء الشخصية لبعض النواب، وما إقحام مثل هذه الأمور إلا محاولة جديدة لتقييد المشاركة الشعبية بمباركة حكومية». وأكد أن «هذا التوسع المرفوض سيشكل إشكالا جديدا لعدم دستوريته، كما يثبت حالة عدم الاستقرار التي يعيشها البلد منذ سنوات، ولم تنفع المعالجات في تهدئتها وتعطلت معها سبل التنمية الحقيقية». وانتقد النائب علي الخميس التحالف الوطني الديموقراطي و«بيانهم السيئ، كأنهم يقولون دعونا (نلهو ونلعب) في الذات الإلهية وليس للمجلس أن يتوسع في إقرار النصوص! من يرد أن يتصور أن تعديل قانون الانتخاب جاء للانتقام فهذا فهمه،ونحن نصوت على قانون وليس نوايا فلا يجوز لمن يدان بهذه الجرائم أن يمثل الأمة». وكان «التحالف» اعتبر التعديل الذي أقر على قانون الانتخاب بحرمان المدانين بالإساءة للذات الإلهية والأنبياء والذات الأميرية بأنه توسع غير دستوري في فرض عقوبات تمس حق المواطن في الترشح والانتخاب. ورأى أن ما انتهى إليه مجلس الأمة «يخالف أبسط القواعد الدستورية والقانونية التي تتيح للمدانين بعقوبات جنائية الترشح للانتخابات بعد رد اعتبارهم، فيما جاء التعديل السيئ بحرمان المدان بصورة نهائية، وهو ما يؤكد أن هدف التعديل يخرج عن مضمون الدفاع عن الذات الإلهية والأنبياء والذات الأميرية إلى استهداف السياسيين». وعبر «التحالف»عن استغرابه الشديد من إقحام الذات الإلهية والأنبياء في مثل هذا التعديل «رغم أن الكويت لم تشهد سوى حالات شاذة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في مثل تلك الجرائم، وهو ما لا يستدعي معه أي تدخل تشريعي إضافي يصل إلى الحرمان من الانتخابات»، متسائلا «هل الهدف من هذه الإضافة إحراج النواب والشارع العام؟».
مشاركة :