ذكرتني مواقف إيران الطائفية من قضية رجل الدين الشيعي البحريني عيسى أحمد قاسم الذي أسقطت المنامة عنه الجنسية، وقبلها من قضية إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر بنكتة كانت متداولة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي في ذروة الاشتباك التفاوضي بين سوريا وإسرائيل عبر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وارن كريستوفر حيث أثيرت في تلك المفاوضات قضية الديموقراطية في سوريا وأهميتها في إرساء سلام جدي مع إسرائيل.النكتة كانت تقول أن كريستوفر قال للرئيس حافظ الأسد: إن في أمريكا نظاماً ديموقراطياً يسمح للمواطنين الأمريكيين بالتظاهر والاحتجاج أمام البيت الأبيض ضد سياسات الرئيس الأمريكي ، فهل في سوريا أمر كهذا ؟ حسب النكتة فقد رد الأسد قائلاً: نعم لدينا في سوريا ديموقراطية حيث تخرج مظاهرات أمام القصر الجمهوري تندد بسياسات الرئيس الأميركي ويساءل: أليست هذه ديموقراطية؟. هذه النكتة الافتراضية تصور بدقة كيفية تزييف الوقائع والإبداع لدي العقلية السورية والإيرانية في خلق أشياء مزيفة، فمن سمع رد الفعل الإيراني على إعدام النمر وإسقاط جنسية الشيخ عيسي قاسم ينتابه شعور بأن إيران واحة حرية وديموقراطية وهي في حقيقة الأمر ليست أكثر من معتقل كبير بحجم دولة يحكمها رجال دين وعسكر طائفيون يغطون بالدين كل جرائمهم الأخلاقية والسياسية تماماً على غرار الفكر التكفيري الداعشي، فمن لا يتبع فكر الولي الفقيه هو عدو لإيران، وبالتالي عرضه وماله ودمه حلال. ووفق هذا الفكر المنحرف لدى أتباع ولاية الفقيه فإن أي إنسان يؤمن بتلك الفكرة فهو إيراني سواء أكان إيرانياً فعلاً أم لا، في حين أن أي إيراني حقيقي لا يؤمن بولاية الفقيه فهو ليس إيرانياً تماماً مثلما هو حال الملايين من الإيرانيين العرب والبلوش والكرد المضطهدين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولهذا فان الإرهابي قاسم سليماني هدد البحرين بانتفاضة دامية رداً على سحب جنسية الشيخ عيسي قاسم، وهو تهديد يكشف وبدقة الذهنية الإرهابية لهذا الفكر الظلامي العابر للأوطان والشعوب. تهديد سليماني وغيره من المسؤولين الإيرانيين للبحرين وأمنها وشعبها يؤكد النظرية بأن هذا الفكر يستبيح الآخر ولا يتورع عن ارتكاب أي فعل مهما كان شاذاً من أجل تحقيق غاياته في الهيمنة والسيطرة. في الوقائع فإن التقرير الأخير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول الأوضاع الإنسانية والحريات العامة في إيران كان كارثياً بكل ما في الكلمة من معنى، فلقد احتلت إيران وبجدارة المرتبة الأولى في العالم في مجال الإعدام والمحاكمات العشوائية حيث كانت حصيلة العام الفائت فقط 1084 عملية إعدام، وان أغلب تلك الإعدامات كانت لمواقف سياسية معارضة للنظام، والتهمة الأبرز التي يستخدمها نظام الملالي هي محاربة الله والتي تعني معاداة نظام الله أي نظام خامنئي الولي الفقيه الذي يعني ممثل الله على الأرض وهو تصنيف يتجاوز النبوة ويصل حد الإلوهية. كما تحتل إيران وحسب اخر تقرير لمنظمة اليونسيف المرتبة الأولى وبلا منازع في إعدام الأطفال حيث قامت خلال العام المنصرم بإعدام 160 مراهقاً لم تتجاوز أعمارهم 18 عاماً في انتهاك غير بشع لتحريم إعدام الأطفال. أما بخصوص كبت الحريات وقمعها فحدث ولا حرج لأن سجل إيران في هذا المجال هو الآخر يحتل مكاناً مميزاً في الانحدار الأخلاقي والقيمي. وتقول مقدمة تقرير منظمة العفو الدولية امنستي عن إيران 2015/ 2016 ما نصه: قلصت السلطات بشدة من حقوق حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، فاعتقلت وحبست الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والنقابيين وغيرهم ممن جاهروا بالمعارضة، بتهم فضفاضة وغامضة. وظل التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ضد المعتقلين أمراً معتاداً مع إفلات مرتكبيه من العقاب، وكانت أحوال السجون قاسية، واستمرت المحاكمات غير العادلة، في بعض القضايا مما أدى إلى صدور أحكام بالإعدام، وواجهت النساء والأقليات العرقية والدينية تفشي التمييز في القانون وفي الممارسة العملية ونفذت السلطات عقوبات قاسية، بما في ذلك سمل العيون وبتر الأطراف والجلد. رغم هذا السجل الفاضح والمخزي لدولة ولاية الفقيه الإيرانية نجدها مصرة على انتقاد الغير واتهامه بخرق حقوق الإنسان، ونجدها ووفقا لنظرية الولي الفقيه لا تنحرج من أن تتدخل في شؤون الدول الأخرى. فالإسلام الصفوي الذي تجسده ولاية الفقيه والكاره للعرب والعروبة يتساوى بتطرفه وظلاميته مع الإسلام الداعشي التكفيري الذي يرى في الآخر عدواً يجب نحره أو قتله.
مشاركة :