ليس سراً أن هناك لصوصاً سرقوا على مدى سنوات طويلة ماضية حدائق عامة وشوراع ومرافق كثيرة في مدن ومناطق المملكة، فكل مواطن يعرف هذه الحقيقة المؤلمة لأن سرقات بهذا الحجم لا يمكن أن تخفى على أحد. وقد كان الناس يتحدثون بهذه الأمور قبل زمن الإعلام الجديد، فلما انتشر استخدام هذا الإعلام وصار بوسع أي مواطن أن يكون صحفياً يكتب ويتحدث بلا رقابة من خلال حسابه في الإنترنت أو الفيس بوك أو الانستجرام أو غيرها من مواقع التوصل الاجتماعي بدأنا نرى العجب العجاب وبما يفوق ما كان متصوراً في السابق. وقد تابع السعوديون ما جرى نشره في هذه المواقع من معلومات مصورة وموثقة عن اعتداءات فاضحة قام بها رجال أعمال في مدينة جدة على شوارع ضموها إلى بيوتهم أو ممتلكاتهم دون خوف من أي جهة رسمية ودون اهتمام بالصالح العام لأن مصالحهم الشخصية تأتي أولاً وتأتي أخيراً. وقد كانت الصور والمعلومات التي تم تداوها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مؤذية وغير حضارية، فكان من واجب الدولة ان تحمي مصالح المجتمع وأن تتحرك لكي تضع حداً لهذه المهازل التي تسيء إلى سمعة البلد وتُقدِّمَهُ إلى البلدان الأخرى بصورة غير لائقة في زمن أصبحت محاربة الفساد مطلباً أممياً يتعدى حدود البلد الواحد من خلال ما تنشره منظمات مكافحة الفساد مثل منظمة الشفافية الدولية التي تصدر كل عام تقريراً شاملاً يتضمن «مؤشر الفساد» الذي يقارن بين دول العالم من حيث انتشار الفساد فيها. لذلك كان حضارياً أن يتم تشكيل لجنة بتوجيه من أمير منطقة مكة المكرمة لرصد التعديات على شوارع مدينة جدة وأن تقرر اللجنة إعادة فتح مائة وأربعة وعشرين شارعاً تم الاعتداء عليها. فقد وجدت اللجنة أن بعض الأشخاص، ومنهم رجال أعمال معروفون، قد أقفلوا بعض الشوارع وضموها إلى ممتلكاتهم الخاصة أو أعاقوا الاستخدام المروري العام فيها. هذه المبادرة جاءت بمثابة استجابة وتفاعل مع ما كتبه وسجَّله المواطنون في مواقع التواصل الاجتماعي وهي خطوة ممتازة للقضاء على التعديات وكل أشكال الفساد.. ولكن من المؤكد أن تلك التعديات ما هي إلا جزء من ممارسة موجودة في مدن ومناطق أخرى أيضاً، ولذلك فإن المأمول أن تكون مبادرة إمارة منطقة مكة المكرمة نموذجاً يتم احتذاؤه في مناطق ومدن أخرى. إن الفساد هو السوسة التي تنخر المجتمعات وتقوِّض سلامتها وأمنها، ولكي تنعم المجتمعات بالاستقرار الاجتماعي وبالتقدم الاقتصادي يجب أن تتصدى للفاسدين وتضع حداً للفساد.
مشاركة :