قبل نحو عام وفي مثل هذا اليوم من العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك وتحديدا في 22 رمضان، فقدت الدبلوماسية فارسها، ورحل الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- الذي جسد ظاهرة سياسية فريدة قلما يجود الزمان بمثلها. كما رسم الأمير سعود الفيصل -يرحمه الله- رؤية دبلوماسية فريدة تسير عليها الخارجية السعودية، وتتضمن ريادة الأداء الدبلوماسي السعودي بهدف إيجاد شراكة إستراتيجية للإسهام في تشكيل نظام دولي يقوم على العدل ومبادئ إنسانية مشتركة لتحقيق عالم آمن ومزدهر. حنكة ودهاء ترجل الفارس، ورحل فقيد الوطن وأحد رموزه الكبار الذي مثله في المحافل الكبرى على المستوى الدولي، تاركا أعمالا وإنجازات تحتاج إلى مجلدات لتدوينها وتوثيقها. ومنذ أن عينه الملك خالد يرحمه الله وزيرا للخارجية في عام 1975 كان الراحل يعمل بكل ما أوتي من حنكة ودهاء لخدمة سياسة المملكة الخارجية وخدمة القضايا العربية والإسلامية في عهد أربعة ملوك هم الملك خالد والملك فهد والملك عبدالله والملك سلمان، الذي خدم معه وزيرا للخارجية نحو شهرين، ثم ترجل ليكون مستشارا ومبعوثا خاصا لخادم الحرمين ومشرفا عاما على الشؤون الخارجية، وغير بعيد عن ملف السياسة الذي تشربه منذ نعومة أظفاره. واستحق الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- أن يتربع على هرم عمادة الدبلوماسية العالمية لما قام به طيلة الأربعين عاماً التي قضاها بكفاح للمساهمة بوضع الأطر والنهج السعودي السليم على أسس ثابتة في إدارة الأزمات والمواقف الصعبة التي شهدتها الأمتان العربية والإسلامية. الشغف بالسياسة ورث الأمير سعود الفيصل -رحمه الله- هذه الدبلوماسية من والده، المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي تسلم دفة قيادة وزارة الخارجية 44 عاما، على مرحلتين، الأولى 30 عاما بدأت في عام 1349 حتى 1380، والثانية 13 عاما، من 1382 حتى 1395. وكان الأمير سعود الفيصل شغوفا بالسياسة منذ صغره، حيث تسلم والده العمل السياسي وعمره آنذاك تسع سنوات، لم يمنعه صغر سنه من التعلق بهذا المجال المعقد الذي يتطلب فهما مضاعفا وإلماما موسعا بمجريات الأحداث وأهدافها واتجاهاتها. شهد العالم بأسره بجولات ورحلات الفقيد المكوكية، وأثنى القادة والزعماء على دوره الواضح في رسم السياسة والدبلوماسية التي نال ريادتها باقتدار، ورثاه العديد منهم بعبارات أبرزت سجاياه النبيلة، حيث أضحت أعماله دروساً تدرس في نهج السياسة، فكان حكيماً ومجاهداً بالكلمات التي أسهمت في ترسيخ مسيرة الوطن. نقلة نوعية أسهم الأمير سعود الفيصل في إحداث نقلة نوعية كبيرة في وزارة الخارجية السعودية، التي تأسست عام 1349، حيث كان عدد البعثات الديبلوماسية الأجنبية في المملكة لا يتجاوز تسع بعثات، ثم ازداد عددها ليصل إلى 29 بعثة بعد إنشاء وزارة الخارجية. واستمر العمل التطويري الضخم على يد الملك فيصل في وزارة الخارجية ليزداد التمثيل الديبلوماسي الأجنبي في المملكة تدريجيا، حتى وصل في عهد الأمير سعود الفيصل إلى نحو 157 ممثلية موزعة ما بين 98 سفارة في العاصمة الرياض، و59 قنصلية في الرياض وجدة والدمام، قيما بلغ عدد ممثليات المملكة في الخارج نحو 116 ممثلية ما بين سفارة وقنصلية ووفود ومكاتب تجارية. وأسهم الأمير سعود الفيصل في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية للمملكة بما ينسجم مع مبادئها في سبيل رعاية مواطنيها ومصالحها الوطنية والمساهمة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، مستمدا أهدافه من القيم الأساسية ومنظومة المبادئ الإسلامية والاجتماعية والمهنية كعناصر أساسية في ثقافة المملكة التنظيمية، وعمل على ترسيخها في ثقافة العاملين والوحدات التنظيمية في جميع المستويات.
مشاركة :