الإنسَان كَائن يَنمو في كُلِّ يَوم، ومَع الأيَّام تَتّسع مَداركه، فهو قَد يَنفر غَدًا ممَّا كَان يَستَحسنه اليَوم، وقَد يَقترب اليَوم ممَّا كَان يَستبعده بالأَمس، لذَلك يَجب أَنْ نُقيِّد أَفكَارنا بأَوقَاتنا، لأنَّ كُلّ مَحطَّة مِن العُمر لَها تَصوُّراتها، ولَها قَنَاعَاتها.. ومِن خِلال مُمارستي لمهنة القِرَاءة؛ أَصبَحتُ أُعيد مَا قَرَأتُ كُلّ خَمس سَنوَات، والمُدهش في الأَمر؛ أنَّني مَع كُلِّ قِرَاءة أكتَشف أشيَاء لَم أَقبض عَليها مِن قَبل..! لَن أُطيل في هَذه الجُزئيَّة، بَل سأَتركها لأُستَاذي الكَبير «جَلال أَمين»، الذي شَرَح هَذه الحَقيقَة في سِيرتهِ الذَّاتية: «مَاذا عَلَّمتني الحيَاة»، بَعد أَنْ استَعرض كُتب سِيرة وَالده؛ وسِيَر غَيره مِن أعلَام عَصره، حَيثُ يَقول عَن رَدّة فِعله بَعد كُلّ قِرَاءَة: (كَان رَد فِعلي في جَميع الأحوَال مُدهِشًا، وكَانت دَهشتي أحيَانًا مِن مَدَى سَذَاجتي؛ إذْ قَدّرتُ الكِتَاب في المَاضي، بأكثَر كَثيرًا مَمَّا يَستحقه، وأحيَانًا مِن أنِّي -وإنْ كُنتُ أُعجبتُ في المَاضي بكِتَابٍ جَيّد- لَم أُعطه مِن التَّقدير مَا يَستحق. كَانت دَهشتي كَبيرة -بوَجهٍ خَاص- مِن أنِّي لَم أكتَشف مِن قَبل؛ رَوعة كِتَاب أَبي: «حيَاتي»، وأنِّي كُنتُ سَخيفاً غَاية السَّخَافَة؛ وأَنَا في الخَامِسَة عَشرة مِن عُمري، عِندَما كَان أَبي يُملي عَليَّ بَعض فصُول هَذا الكِتَاب، بسَبَب ضَعف بَصره، واعتمَاده عَلى الإملَاء بَدلاً مِن الكِتَابة بيَده، فقَد كَانت إجَابتي عِندَما سَألني عَن رَأيي؛ فِيمَا أَملَاه عَليَّ، أَنِّي أُفضِّل عَليهِ كِتَاب «الأيَّام» لـ»طه حسين»! إجَابَة مُراهق سَخيف يُريد فَقط أَنْ يَتحدَّى أَبَاه)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نُؤكِّد عَلى مَراحل نمو عَقل الإنسَان، وأَنَّ كُلّ مَرحلة لَهَا قَنَاعَاتها، فالحَذَر الحَذَر أَنْ نَظنُّ أَنَّ قَنَاعَاتنا -في مَرحلةٍ مِن مَرَاحل العُمر- هي الحَقيقَة، لأنَّ الإنسَان كَائِن يَنمو عَقله وفِكره في كُلِّ يَوم..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :