الإنتليجنسيا العربية ومجتمع اللا ثقافة والعدمية | واسيني الأعرج

  • 6/29/2016
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

مفهوم الإنتلجنسيا في العموم، هو المجموعة البشريَّة التي تُفكِّر وتنتج معرفة لتخطي المعضلات التي تعطل مجتمعًا ما عن الحركة الفعَّالة. هل هذا ينطبق علينا في العالم العربي؟ وهل للإنتليجنسيا عندنا الحريَّة الكافية والقدرة الفعَّالة على الحركة والخلق والإبداع؟ المشكلة لا تحتاج إلى تفكير كبير. الإنتليجسيا العربيَّة لم تجد إلى اليوم القنوات المناسبة التي تربطها بمجتمعها لأسباب يطول شرحها. في الكثير من الأحيان هي في وادٍ والمجتمع في وادٍ آخر. أيّ أنَّ المنتج الثقافي والكبير لا يجد من يستقبله ويفعله. الأمر الذي يجعل الإنتليجنسيا العربيَّة مُعطَّلة كليًّا، وغير فعَّالة، وكأنَّها تنتج القيم الثقافيَّة لها وليس لعموم المجتمع. فهي داخل دوامتين. دوامة إنتاج فكر حيوي يتماهى مع العصر، لكنه في الوقت نفسه يستجيب للحاجات الثقافيَّة والاجتماعيَّة العميقة، وهو أمر ليس بالهين في أوضاع يحكمها، ناهيك عن التخلف العام، أمية مدقعة تزداد كل سنة ارتفاعًا وتعمقًا. كل الإحصائيَّات المعتمدة في هذا المجال قديمة وغير دقيقة لا تأخذ بعين الاعتبار الربع قرن الأخير الذي عاشه العالم العربي داخل عنف كبير. عنف الآخر المحتل، وعنف الأنا التي خرج من يأسها إرهاب غير مسبوق. فقد كفت دول عربيَّة مثل العراق وسوريا وفلسطين عن أن تكون من أكثر البلدان تطلعًا للتكوين، وبنسبة أميَّة قليلة جدًّا. الحروب التي دخلتها مرغمة أو برضاها، دمّرت البنيات التعليميَّة التحتيَّة وجعلت من التعلم أمرًا ثانويًّا أمام حياة التشرّد والموت. وجلّ الدول العربية مرشحة أيضًا لذلك، إذ لا شيء يجعلنا نأمل خيرًا في ظل العلاقات الدوليَّة الحاليَّة. الدوامة الثانية، هي أنَّه حتَّى عندما تنتج هذه الإنتليجنسيا المعرفة المطلوبة، فهي لا تصل إلى جمهورها الذي هو في أمسِّ الحاجة إليها. قدرة الاستيعاب الثقافي الجماهيري محدودة وغير مهيأة لذلك، حتَّى أنَّنا أحيانًا لا نظن أن المشكلة مشكلة أميَّة بقدر ما هي مشكلة وسائط تنظيميَّة وناظمة لحركة الفعل الثقافي ومشكلة عقل لم يجد بعد مسالكه. حتى في الثورات التغييريّة العالميَّة التي عبرت العصور، واستفدنا منها كثيرًا عربيًّا، لم تكن الأمم فيها على مستوى عالٍ من الثقافة، ولكن البؤس المعاش أوجد قيادات من المجتمع نفسه، استطاعت أن تغرس البدائل في الناس. هناك معرفة مسبقة بطبيعة الناس وحاجاتهم. وتتحدث أيضًا بلغة الشعوب التي جاءت منها. قد يقول قائل إن الوسائط الحديثة سهلت التواصل، فلماذا هذه النظرة السوداويَّة؟ الناس اليوم على غير ما كانوا عليه منذ نصف قرن مثلاً؟ وهذا كلام في شكله صحيح لكن في العمق، لا. ألا يجب أولاً أن نطرح قبل ذلك قضية المحمول؟ أولاً ضمن العدد الإجمالي الذي هو قرابة ٣٠٠ مليون عربي، كم من الناس يتواصلون اليوم عن طريق النت، والميل، والفيس بوك، وتويتر، والانستغرام، والواتس آب، والفايبر؟ العدد بكل تأكيد محدود جدًّا إذا ما قورن بالعدد الإجمالي للسكان. ثم ما هي المادة التي يتم تقاسمها وتوزيعها وتبادلها؟. القراءات المتخصصة والإحصائيَّات تعطينا نتائج شديدة الخطورة. إذ في ظل اليأس المستشري عربيًّا، وحدها ثقافة اليأس تجد طريقها. وهي ما ينتج عنه في المحصلة الخطر الأكبر الذي يدخل الناس في سلسلة من الأوهام، أيّ الإرهاب. فهو أحسن من يستغل هذه الوسائط ويُجيِّرها لمصالحه وأطروحاته العدميَّة. بينما تظل الإنتجلنسيا العقليَّة والمتنورة إمَّا رهينة رفض غير مبرر لهذه الوسائط المهمَّة في نقل وتبادل المعلومة، أو تغرق في حروبها الصغيرة الذاتيَّة في الأغلب الأعم، التي لا تفيد مطلقًا مجموع المجتمع المتعطش إلى التنور والخروج من التخلّف. هذه الظواهر مجتمعة تفسر نسبيًّا العنف المستشري، وتسيد مجتمع اللا ثقافة الذي أصبح أيضًا سلطة لها وجودها وحضورها لأنَّها قوة. وأيّ قرار يتّخذ حتَّى على أعلى المستويات، يمرُّ عبر رضاها، والجميع يدرك أنَّها معطِّل لأيِّ تقدّم. لهذا واجبات الإنتليجنسيا مهمّة جدًّا، وعليها أن تغيّر وسائل تعاملها قبل سيطرة العدميَّة ومجتمع اللا ثقافة.

مشاركة :