في ثقافة الجوائز! | واسيني الأعرج

  • 7/13/2016
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في كل بلدان العالم، بما في ذلك الدول الفقيرة كالسنغال، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، وغيرها، تثير قضية الجوائز جدلاً في بداياتها، ثم تنتهي. بمجرَّد أن يُعلَن عنها، تصبح جزءًا من الماضي. وتكون النقاشات في الأغلب الأعم محكومة باشتراطات ذاتيَّة، وقليلاً ما يكون للموضوعيَّة فيها مكان. وقد تسبق حملة دفاع عن هذا أو ذاك من المترشِّحين للجائزة بهدف التأثير على أعضاء اللجنة. وهذا لا يشكِّل عائقًا على مسار العمل، ونراه حتى في نوبل عندما يتم التسويق لبعض أسماء كتَّاب مرموقين أدبيًّا، لكن اللجان ليست غبيَّة إلى هذا الحد، فلها وجهات نظرها، وتصوّراتها التي تدافع عنها وفق إستراتيجيَّات مسبقة، ولها أيضًا مسؤوليتَّها. لهذا كثيرًا ما تعلن عن أسماء قد لا تروق لهذا النوع من النقاد. وبعدها ينتهي الأمر، ويشق النص الفائز طريقه، بعيدًا عن الصراعات التي سبقت الإعلان عنه. إلاَّ في العالم العربي، فالأمر اتَّخذ مسلكًا خطيرًا بختلط فيه الحسد، بالضغينة، بالبؤس العام المتأتّي من الجهل والأميَّة المركَّبة. الغريب أن العالم العربي الذي كان يشكو من نقص في الجوائز، أصبح يعاني من فائض منها. وبدل أن تكون الجائزة لحظة تأمُّليَّة في مسار الكتابة، ومحاولة العمل على تحسين الجهد الإبداعي، وربطه بالمنجز الإنساني، أصبحت لدى عيّنة من النقاد الفاشلين الذين لا ينسون أبدًا تسبيق أسمائهم بكلمتي الناقد والأكاديمي، اللتين نجد في حملتهما كل شيء إلاَّ الأكاديميَّة، التي تعني الموضوعيَّة المطلقة، ولو على حساب المدرسة التي ينتمي إليها الناقد، والنقد الذي يقتضي تعمقًا حقيقيًّا في النصِّ يكشف أسراره للقارئ غير المتخصص. وكأنَّ رهان الكتابة اليوم هو الجائزة. وكأنَّ النص الأدبي يفقد وجوده في غياب هذه الأخيرة، مع أننا ندرك سلفًا أن الجائزة على أهميّتها وقيمتها الثقافيَّة والإنسانيَّة والماليَّة أيضًا، لا تعني الكثير في معادلة الكتابة، سوى أنَّها اعتراف بجهد قد تمنحه الجائزة فرصة الانتشار والتوسيع من دائرة المقروئيَّة. وجودها بهذا الشكل أمرٌ إيجابيٌّ جدًّا؛ لأنَّه يضمن للنص حياة مضافة تدفع بالقرَّاء نحوه حتَّى في حالة بداية ضموره، وتحوّله إلى تاريخ. وبدل أن يصبح النصُّ الأدبيُّ مساحة حيَّة لقراءات متعدِّدة ومحتملة، تغني الباحث والقارئ العادي معًا، ينتهي، بين أيدي نقاد من هذا النوع، إلى جسد ينتهك في كلِّ مرَّة باسم الموضوعيَّة القاتلة. وكأن لا شغل للناقد إلاَّ هذا الجهد الغريب الذي يشكل حالة تثبت باتولوجيَّة، مرضيَّة. وبدل أن يضع هذا النوع من النقد الجهود الشبابيَّة الخلاَّقة الجديدة والمبدعة، في واجهة القراءة، لأنَّها في حاجة ماسَّة لأن تُعرف ويُنوّه بها، يغرق في أتون رفض نص فاز وانتهى الأمر، ولن يغيّر كلامه من الوضعيَّة في شيء سوى أنَّه يكشف عن نفسيَّة مريضة. هذه الحالة من التثبت تؤكِّد شيئًا واضحًا ووحيدًا، هو أنَّنا لا نملك ثقافة الجوائز في العالم العربي، الجوائز ولَّدت نقيضًا وهو العدميَّة، ثقافة الجوائز تقتضي الإيمان بعنصرين، أولاً: عنصر الكتابة الحرّة، بوصفها الهدف الأسمى من وراء أية عمليَّة إبداعيَّة، وعنصر النسبيَّة. أيّ ما نكتبه ليس شرطًا أن يكون هو الأفضل أو الأقل قيمة. ثانيًا: القبول بحق لجان التحكيم في أن يكون لها رأيها الخاص أيضًا، الذي قد يتماشى مع رأينا أو يناقضه. ليست لجنة التحكيم صورة طبق الأصل لما نظنه نحن حقيقة ثابتة. القبول بذائقة الآخر حتّى في تناقضها، جزء من ثقافة الجائزة، وضرورة حضاريَّة وأدبيَّة وأخلاقيَّة أيضًا. ما يُثار حول الروايات الفائزة بالجوائز العربيَّة، في كلِّ سنة، من اتِّهامات وشتائم تصل أحيانًا حدَّ التجريح، وتشييد معمار من الكذب، يبين أن ثقافة الجوائز ما تزال بعيدة عنَّا. ويحتاج سدنة هذا النوع من النقد المرهون وجوده بالجوائز، إلى درس كبير أولاً في المعرفة؛ لأنَّها الجزء الثابت في العمليَّة النقديَّة، وإلى الموضوعيَّة التي تشكل الرهان الأساس في مؤدَّى العمل النقديّ ومنتهاه، وأخيرًا إلى التعوّد على اكتساب مهارات ثقافة الجائزة التي ليست عصابًا مرضيًا، ولكنها سخاء وشهامة.

مشاركة :