مدرسة أولوغ بيك إحدى أشهر المدارس الإسلامية في مدينة سمرقند بناها الأمير میرزا محمد طارق بن شاه رخ، المعروف ب أولوغ بيك (1394- 1449)، بين عامي (1418- 1422م)، وجعل منها تحفة معمارية تليق بمهمتها التعليمية النبيلة، وكان أولوغ بيك عالم رياضيات وفلك، محباً للعلم منصرفاً إليه، وقد جلب إلى المدرسة العلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، خاصة الفلكيين والرياضيين، ودرّس هو نفسه بها، وفي عهده تحولت سمرقند إلى عاصمة للعلم والثقافة، وقد بنى بها مرصداً لمراقبة النجوم، وضعت فيه الجداول الفلكية السلطانية التي تسمى بالفارسية (الزيج)، وكانت دقيقة جدا، وقد وصلت تلك الجداول إلى أوروبا فيما بعد فكانت أساساً للنهضة الفلكية الأوروبية، لكن فترة هذا الحاكم لم تدم طويلاً، وبعده قل الاهتمام بالمدرسة، فتراجعت النهضة العلمية التي بدأها، وخبا البحث، وأهمل مرصده حتى تهدم ولم يبق منه إلا أجزاء مبنية تحت الأرض. مدرسة أولوغ بيك هي إحدى المعالم الثلاثة لساحة راغستان، حيث تطل على هذه الساحة ثلاث مدارس تشكل كل منها تحفة معمارية، وهذه المدارس بالإضافة إلى مدرسة أولوغ بيك، مدرسة شير دور، ومدرسة طليا كاري. وتعتبر أولوغ بيك أقدم تلك المعالم، وكانت ساحة راغستان أيام تيمورلنك ميدانا عاما لإعلان النفير للحرب، وإعلان نهايتها، وتعرض فيه غنائم الغزوات، وتقام فيه الأسواق وتفرش البضائع من مختلف أنحاء العالم. يتم الدخول إلى المدرسة عبر بوابة ضخمة وعالية ذات عقد مدبب قليلا في الأعلى، يصل ارتفاعها إلى أكثر من ثلاثين مترا، وكتلة البوابة المفرغة بواسطة العقد الضخم في داخلها، يعلو ارتفاعها عن سياق البناء المجاور ذي الطابقين، تحتل الأركان الأربعة من المبنى أربع قاعات كبيرة للدرس، وتغطي هذه القاعات قباب تعلو بهيئتها الكروية قليلاً عن مستوى ارتفاع البناء الأساسي، كما تم إنشاء أربع منارات دائرية رشيقة وعالية قريبة من القاعات، وفي الزوايا الأربع من المدرسة، يلتحق بالمدرسة مسجد في الجهة الغربية منها، ويتميز مخطط مدرسة أولوغ بيك بوجود مدخلين إضافيين في جانبي المبنى، مشكلين من الداخل إيوانين يطلان على فناء المدرسة، ويستخدم فيهما الأسلوب الزخرفي والتزيينات نفسها المستخدمة في البوابة، وكذلك نوعية التزيينات فيهما. تتوزع غرف الطلاب (الحجرات) كما كانت تسمى على مدار الفناء المكشوف على جانبي الإيوانات الأربعة، وكانت في الطابق العلوي سلسلة مماثلة من الغرف الأخرى تقع في الطابق الأعلى، إلا أنها أزيلت عام 1720. تعتبر التكسية الخارجية بالفسيفساء الخزفي المنقوش أهم معالم مدرسة أولوغ بيك، وهو الطابع التزييني الذي أصبح فيما بعد علامة بازرة للعمارة السمرقندية، حيث كسيت الواجهة بكاملها بالفسيفساء الملونة، التي يغلب عليها الأزرق، الذي يتداخل وينسجم مع الألوان الأخرى فيعطي للواجات الرفيعة بهاء وأناقة مبهرة، تعززها فنون الخط الكوفي الجميلة التي تتوزع في أركان الواجهة، وعلى المنابر، التي تشتمل على آيات من القرآن الكريم، وقد نقشت بهندسية خطية بديعة ومتوازنة. شهدت مدرسة أولوغ بيك إهمالاً في العصور المتأخرة، إلى أن أمر الزعيم السوفييتي لينين عام 1922 بإنشاء معمل للسيراميك في سمرقند بقصد ترميم مبانيها الأثرية، وتم ترميم المدرسة عام 1932، وظلت في الحقبة السوفييتية تشكل معلماً سياحياً ضمن المجمع السياحي لساحة راغستان.
مشاركة :