لمحة: انتشر مصطلح (الذئب المنفرد) في السنوات القليلة الماضية على صفحات الصحف, ووسائل التواصل الاجتماعي, والاعلام المرئي والمقروء, ويشير هذا المصطلح الى قيام أحد الارهابيين منفرداً بتنفيذ عملية ارهابية, إما بقتل أو بتفجير أو بأعمال تروع الآمنين, وقد ظهر هذا المصطلح من الغرب, وشاع في الأوساط الامريكية والأوروبية, وبدا لهم أنهم ينعتون الفاعل بلقب بذيء. وفي الواقع فإن مصطلح (الذئب المنفرد) لم يكن يوماً وصفاً قبيحاً, على الأقل في عرفنا نحن العرب, حيث يُعد وصف الشخص بالذئب مفخرة تسموا لها اعناق الابطال, خاصة اذا وُصف بذئب منفرد لا يخضع لأمر زعيم ولا لجماعة, بل يعتاش بجهده معتمداً على قوته ومهاراته الفردية, فضلاً عن وسمه بالأخوة المفرطة حيث لا يتخلى عن رفاقه عند الحاجة. ولعل من أسباب الفخر بهذا الوصف ما عُرف عن الذئب من شجاعة وإقدام وعدم التردد والجرأة على مهاجمة الخصم, حتى ولو علم أنه سيموت, بغض النظر عن قوة هذا الخصم وضخامته, فضلاً عن صفات الذئب في الحفاظ على سلامة قطيعه وحمايتهم والدفاع عنهم وقت الحاجة. تعريف مصطلح (الذئب المنفرد) : أصبح مصطلح (الذئب المنفرد) اليوم اسلوباً ناجحاً تنتهجه المنظمات الإرهابية لارتكاب اعتداءات دون أن تتورط فيها بشكل مباشر, وتفضى في غالب الأحيان إلى عمليات دموية قد يكون لها مفعول تحفيزي ودعائي لاستقطاب المزيد من الأشخاص الذين يستهويهم الفكر الجهادي المتطرف. وقد ظهرت بعض الاصوات الإعلامية التي تنادي بفصل الإرهابي المنفرد عن ظاهرة الارهاب بصفة عامة, فهم يرونهم أفراد منعزلون، غالباً ما يعانون من مشاكل صحية (نفسية أو اجتماعية) أو سياسية (كالاضطهاد أو العنصرية), حيث يقومون برد الفعل بعنف على أهداف مدنية أو حكومية، ويتحرّكون بدافع من المعتقد. و(الذئب المنفرد) مصطلح يرمز في أغلب الاحيان إلى الشخص المتكامل من حيث التدريب والمهارات والخبرات التي تمكنه من أن يتحرك وحده وبسهولة لتنفيذ عمليات ارهابية بالغة الخطورة والحساسية، حيث يكون احتمال وقوع الخطأ في تنفيذ المهمة ضئيلاً، واحتمال اكتشاف الجهة التي خططت لذلك في حال نجاح المخطط أو فشله يكاد يكون معدوماً، ذلك أن العقل المدبر الذي أوجد هذه النوعية أدرك أن الخطأ الذي يرتكبه أحد أفراد المجموعات التي تنفذ العمليات السرية قد يؤدي لسقوط المجموعة كاملة وقد تؤدي إلى أزمات داخلية أو دولية لا لزوم لها, أما أخطاء الفرد الذي يعمل وحيداً فهي تنعكس عليه وحده، ويسهل إنكار العملية في حال فشلها وإلقاء القبض على منفذها أو قتله. مميزات ما يسمى (الذئب المنفرد): ويمتاز معظم من ينفذ ما يسمى بعمليات (الذئب المنفرد) بالخصائص التالية: مظهر الإنسان العادي الذي تصادفه يومياً في حياتك، وقد يكون على قدر عال من اللياقة البدنية, ومتقن لفنون قتال الشوارع, وتكتيكات القتال بالسلاح الأبيض من أجل الحماية الشخصية، خبير في مجال الحاسوب والإنترنيت، على علم واسع بأساليب الرقابة والتتبع وكسر الرقابة وملاحظتها وما شابه. كما قد يكون مدرب بشكل عال جداً على استخدام جميع صنوف الأسلحة النارية وإعداد المتفجرات, وهو شديد الحماس للفكر الذي يعتنقه ولا يحتاج إلى توجيه مباشر، إنما يستشعر التوجه من خلال الأحداث والأخبار، فينطلق وفق قناعاته عبر عمليات ارهابية عشوائية (إن عجز عن الوصول إلى أهداف رئيسية)، ويسعى إلى إسقاط أكبر عدد من الضحايا, لذلك يصعُب رصد تحركاته، فهو لا يخضع لسلسلة أوامر وترتيبات، بل يكون فعله أحياناً مجرد رد فعل على حدث ما، فيعدّ قنبلته أو يرتدي حزامه ثم يفجر نفسه في أقرب نقطة يستطيع الوصول إليها، أو ينفذ عملية ما تترك أثرها في الرأي العام الدولي كما حدث في تفجيرات بوسطن أو عملية (شارلي إيبدو) في باريس. كما تتميّز أعمال ما يسمون ب (الذئاب المنفردة) بصفة الانفراد في التخطيط لأعمالهم وتنفيذها، كما يفتقدون للضغوط من المجموعة, ولا يتلقون مساعدة في تصوّر جرائمهم وتنفيذها, وبهذه الطريقة يشبهون كثيراً القتلة الهائجون ومرتكبي حوادث الطلق الناري في المدارس. العلاقة بين مصطلح (الذئب المنفرد) وبين الارهاب: العمليات الإرهابية عادةً ما تقوم على شقين أحدهما فكري وآخر عملي, فالجانب العملي يمكن السيطرة عليه أو تتبعه أمنيا, لكن الجانب الفكري يصعب تعقبه والتحكم فيه, خاصة في ظل ثورة الاتصالات والإمكانيات التكنولوجية الهائلة المنتشرة اليوم في مجتمعاتنا, وهو ما تستغله الجماعات الإرهابية المتطرفة للتجنيد والتأثير في هذه العناصر التي قد لا تربط بينها علاقات, والمتواجدة في أماكن متفرقة في العالم. فتنظيم القاعدة اليوم تفكك كتنظيم, إلا أنه موجود كفكرة وعقيدة, ولا تزال هذه العقيدة تُلهم عناصر بينهم أشخاص يقطنون في الغرب ويحملون جنسيات تلك الدول, هؤلاء تأثروا بالفكر الارهابي المتشدد وتبنوا فكر القاعدة, وبالتالي يحملون تصورا للمجتمع الذي يعيشون فيه مخالفا للمجتمع المثالي الذي تروج له المنظمات الارهابية المتطرفة, حيث تصور لهم مجتمعاتهم كمجتمعات صليبية معادية للإسلام والمسلمين, بالتالي تجنح هذه العناصر إلى التصرف الفردي القائم على الرغبة في الانتقام من هذه المجتمعات الغربية حتى ولو كانت هذه المجتمعات هي التي احتضنتهم وولدوا وعاشوا فيها ولا يعرفون غيرها. كما أن الدول الغربية عموما تضم الملايين من الشباب من أصول مهاجرة مسلمة يجدون أحيانا صعوبة في فرض أنفسهم في هذه المجتمعات بسبب العنصرية والتجاهل ما يولد لديهم قدراً كبيراً من الحقد ويحول هذه المشاعر إلى طاقة عدوانية تجاه هذه المجتمعات الغربية التي تعتبرهم أحياناً مواطنين من الدرجة الثانية, فتصبح بذلك هذه العناصر فريسة سهلة للتنظيمات الارهابية المتطرفة وغيرها التي تدفعهم بشكل مباشر أو غير مباشر للقيام بعمليات إرهابية واعتداءات. أمثلة لعمليات ما يسمى (الذئب المنفرد): برز مفهوم (الذئب المنفرد) بقوة على سطح الأحداث، وكثر الحديث عنه في وسائل الإعلام العالمية، بعد الموجة الحديثة من العمليات الإرهابية التي ضربت في كثير من بلدان العالم ومنها المملكة العربية السعودية, كما حدث من خلال التفجير الإرهابي الذي استهدف المصلين في مسجد الرضا في محافظة الأحساء، والتفجير الذي استهدف مسجداً للقوات الخاصة في محافظة أبها وغيرها، وحادثة شبح الريم في الامارات العربية المتحدة, وكذلك ما يحدث في بيروت من تفجيرات، وتفجير الطائرة الروسية في سيناء، وعملية قتل المتعاقدين الأمنيين في مركز تدريب الشرطة في الموقر بالأردن، ثم العمليات الإرهابية المتزامنة في فرنسا وبلجيكا. لكن لا بد من التأكيد على أن هذه الظاهرة الجديدة لا ترتبط فقط بالدين الإسلامي وبالمتطرفين الإسلاميين؛ بل هي موجودة في مختلف الديانات والأيديولوجيات, والأمثلة عليها أكثر من أن تحصى, لكن تكفي الإشارة إلى أن أعنف عملية لما يسمونه بالذئب المنفرد كانت للمتطرف القومي النرويجي (أندراس بريفيلك)، والذي قتل (77) شخصا في أوسلو العام (2011م). الغاية من الربط بين مصطلح (الذئب المنفرد) والإرهاب : تزامن ظهور مصطلح (الذئب المنفرد) في الإعلام العالمي مع بدء التداول بمصطلح (التشدد الذاتي) الذي يهدف إلى (شيطنة) سكان الشرق الأوسط، وهو وليد طموح قديم للمحافظين الجدد الذين يعتبرون سكان هذه المنطقة حاملين لفيروس الإرهاب, الأمر الذي سيبررون به حربهم عليها، ما جعلهم يسارعون في نشر مصطلح الذئاب المنفردة ليكون تتويجاً لمشاريعهم السرية. وتطور مفهوم (التشدد الذاتي) على يدي كل من (أليكس كورتيسوم وتوم ماتزغار) في بدايات تسعينيات القرن الماضي، وحددا تعريفه بأنه: عمليات منفردة لعدد محدود جداً من الناس يقومون فيها بتحديد الأهداف والتوقيت والمكان بشكل يبدو مجهولاً وغير مرتبط بقيادة مركزية. وبعد إعلان جورج بوش الابن لحربه على الإرهاب الدولي عقب أحداث (11سبتمبر 2001) عاش العالم ثلاث مراحل متداخلة من تلك الحرب بدأت مرحلتها الاولى بتعقب تنظيم القاعدة و تنظيمات أخرى كبيرة مرتبطة به, وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام (2003م) تحول الخطاب السياسي والإعلامي إلى مرحلة ثانية كثر فيها الحديث عن الحرب على خلايا عنقودية خاملة صغيرة تربط نفسها بأجندات التنظيم الكبير الملهِم (القاعدة) لكنها منفصلة عنه في اتخاذ القرارات وتحديد الأهداف, امتدت هذه المرحلة إلى سنة (2010م) وهي ذات السنة التي تخلت فيها الإدارة الأمريكية بقيادة أوباما عن مصطلح الحرب على الإرهاب لتستبدله بعنوان جديد هو الحرب على (الإرهاب الداخلي) معلنة بذلك الانتقال إلى الجيل الثالث من تلك الحرب المطاطية. وقد تزامن هذا الجيل بشكل غريب مع انطلاق مفاجئ لثورات داخل العالم العربي, جيل تعلن فيه الإدارة الأمريكية عن قتلها لزعيم القاعدة أسامة بن لادن الذي كانت تعتبره أكبر عدو لها خارج حدودها ليصبح العالم العربي من وجهة نظر الادارة الامريكية خاليا من زعيم الإرهابيين والديكتاتوريات في آن واحد. هكذا يقال لحد الآن لكن يبدو أن الحقيقة التي تتراءى من بعيد قد تقدم لنا صورة معكوسة لهذا المشهد الرومنسي, فماذا لو استبدلت الدول العربية صورة (الإرهابي) بصورة شعوب إرهابية, يأكل أفرادها لحوم البشر, متعطشون للدماء, يعيشون على السلب والنهب وقطع الطرق, صورة طبق الأصل لما كانت تشتهيه مخيلة المستشرقين المبغضة للشرق العربي الإسلامي, صورة من مشهد دراماتيكي مخيف اسمه الشرق الأوسط الكبير, شرق تعم فيه الفوضى الخلاقة, وتسوده حروب داحس والغبراء, وتتقاتل فيه الطوائف والايديولوجيات والقبائل. هكذا تصبح صورة العالم العربي بشعة للغاية وأي تردد لها داخل الغرب سيكون شبيهاً بها, من هنا يصبح لصورة إرهابيي الجيل الثالث معناً وظيفياً, ولا تستغربوا كثيرا إن سمعتم عن تكاثر ظاهرة الأفراد المصابين بما أطلق عليه منظروا الأجهزة الأمنية الغربية بداء (التشدد الذاتي). إن هذا التحول التدريجي الخطير في اللغة المستخدمة لوصف هذه الظواهر هو تحول نحو (شيطنة) الفرد المسلم وهو ما ذكرنا انه وليد طموح قديم للمحافظين الجدد الذين يعتبرون جموع المسلمين حاملة لفيروس الإرهاب وهو ما سيبررون به حربهم المستقبلية. ومن هنا جاء وصفهم لمن يقوم بالعمليات الإرهابية بـ (الذئب المنفرد) حيث ان الوصف بحد ذاته يشكل حافزاً لضعفاء النفوس والمرضى النفسيين ومعدومي المستقبل لكي يُلقب بهذا اللقب, وعليه أصبح المصطلح بديلاً عن مصطلح مجاهد أو شهيد, وأدى ذلك لتشويه صورة الذئب الذي ينظر إليه العرب والمسلمون على أنه رمز الشجاعة والذكاء والفطنة, كما. فهنالك خلط متعمد بين الإرهاب والجهاد، فأبواق الضلال تسمي الجهاد إرهاباً، وشتان ما بينهما، ويقتضي هذا الخلط بوصف النبي عليه السلام بما ليس فيه لأنه حمل السيف وقاتل في سبيل الله، وليس كل من حمل السيف إرهابياً، وإلا لكان عامة الأنبياء والرسل عليهم السلام وكافة الملوك والفاتحين في التاريخ إرهابيين، وهذا باطل بحكم العقل والشرع والواقع، فالإرهاب أعمال عدوانية غير مشروعة ، ينفرد بها شخص أو عصابة أو مجموعة أو دولة لأغراض خاصة، والإرهاب إفساد في الأرض، وتدمير للحياة الإنسانية، وهو ما ترفضه جميع الأديان والشرائع. الخلاصة: عطفاً على ما سبق .. فأن الشخص الذي يعتنق الافكار المتطرفة وينساق وراء المعتقدات الهدامة سواء لسبب صحي (نفسي أو اجتماعي ) أو لسبب سياسي أو أيديولوجي، ثم يتخذ القرار بأن يخطط وينفذ عمليات ارهابية ينتصر بها لجماعات أو تنظيمات ارهابية متطرفة, إنما هو تابعٌ مضللُ أعمى, يُقاد بلا لجام, ويُؤمر من حيث لا يدري, وينفذ اجندات القتل والتخريب التي يُمليها عليه أسياده, حتى ولو اضرت بأقرب الناس له, مدمراً بذلك حياته وحياة أسرته, ومتسبباً على دينه بالنقد والتشويه, تاركاً خلفه من الاضرار ما لا يمكن حصره, فهل هذه تتطابق وأفعال الذئاب؟ فالذئب وإن عاش منفردا فأنه لا يفقد خواصه ومميزاته, بمعنى انه سيبقى شجاعاً قوياً قادراً على أن يعتمد على نفسه في تأمين حياته ليلاً ونهاراً. والاولى أن يطلق على من يقوم بتلك الاعمال الارهابية بالضبع الضال, وذلك للتشابه بينهما من عدة أوجه, منها أن قطيع الضباع عادة ما تقوده احدى الاناث, كما أن عملية التزاوج في القطيع تكون برغبة الانثى فقط, فهي من تختار شريكها, والذكر الذي لا يتم اختياره من قبل الاناث يُعد من المنبوذين في القطيع ويُرغم على مغادرته, حيث يعيش الضبع الضال متخفياً تحت جنح الظلام, ويقتات على الجيف أو الفرائس الضعيفة التي يستطيع ان يجدها بعيداً عن أعين الذئاب والاسود, لأنه اذا كُشف أمره سيصبح فريسة لهم, الامر الذي يجعله بدون اهداف محددة, ويقوم بعمليات عشوائية كالتي نراها متناثرة هنا وهناك في دول العالم. فمصطلح الضبع الضال يتسق واعمال هؤلاء الاراذل الذين يخططون تحت جنح الظلام ويستهدفون مواقع تجمعات لأشخاص مدنيين, مهددين بتلك الاعمال ليس حياة الاشخاص فحسب بل السلام العالمي. رابط الخبر بصحيفة الوئام: الذئب المنفرد.. أم الضبع الضال ؟
مشاركة :