أعدت فطور اليوم الأخير لفلذات كبدها الرطب بالحب والهم والحلم.. تحلّقت الأسرة على المائدة التي أنضجتها الأم مرتين - مرة على النار ومرة في قلبها - *.. كما تفعل طيلة عقود مضت.. أنهت الأسرة لقاء الوداع المضمر.. غادر الأب والأم إلى مسجد الحي.. أديا العشاء والتراويح بابتهالات المناجاة: أن يحفظ الله أبناءهما ويمنحهما الخير والصلاح والعمر المديد.. كأني بالأم تناجي ربها: «يا رب خذ من عمري وعافيتي وامنحها لأبنائي».. فيما كان الولدان منهمكين في إعداد حفل ما قبل السحور الجنائزي الأخير.. عاد الأبوان إلى ليلة الختام البائس.. مضى الأب إلى شأنه.. فيما استدرج الولدان الأم إلى مذبحها في الغرفة الخلفية.. لم يرهما أحد.. وكأن الله لن يراهما إلى الأبد !!.. كانت الأم تحث خطاها.. وخطو قلبها يسبق أقدامها بما تحتها من جنة الله ووعده ووعيده.. وصلت إلى مذبح ابنيها.. باشراها بطعن السكاكين وضرب المقاصل.. لم تصرخ « لأنها خافت على ابنيها» كانت قد فارقت الحياة قبل سكاكينهم وساطورهم.. ماتت بالفاجعة لا بالسكين!! الولدان واصلا مهمة الذبح والذبيح.. انتقلا إلى الأب.. عندما أيقن من هدفهما سقط قبل أن يصلا إليه.. كان المشهد كفيلاً بكسر ظهر أعتى الرجال.. وظهور الرجال لا تكسرها إلا الخيبة والصدمة.. سددا الطعنات والضربات ورحلا قبل أن يموت.. لأنهما بسواعد هلامية يهزمها التعب سريعاً.. كما هي سواعد الجبناء وأشباه الرجال دائماً.. وكذا كان الحال مع شقيقهما الأصغر.. هو أيضاً لم يمت لذات السبب الكامن في وهنهما وضعفهما الذي يجعله الله في الباطل دائماً.. هربا وألقت الشرطة القبض عليهما في غضون ساعات.. وصدرت البيانات الرسمية المنتهية بـ «وجارٍ استكمال التحقيقات اللازمة بشأنهما».. حين استفاق الناس على هول الحادثة كانت رائحة طهر الأم ودمها تملأ الرياض كاملاً.. بل تسكن وطني كاملاً.. بل حطّت في كل شبر يسكنه بشر في العالم كاملاً.. تبادل الناس التعازي والمواساة كما لو كانت تلك الأم أماً في كل بيت.. وأمنيتهم المشتركة الوحيدة أن يشاهدوا بأنفسهم التحقيقات مع هذين السفاحين مباشرة.. لأن جُرحاً إنسانياً عميقاً كهذا لا يبرد بمجرد بيان.. ولن يبرد أبداً.. ..ويا رب لطفك.. ... ... ... * العبارة بين علامتي التنصيص للأستاذ أحمد أبو دهمان أوردها ضمن اتصال شفاهي جمعه بالكاتب.. وستنشر ضمن عمل صحافي قريباً.
مشاركة :