لم تعرف البشرية طرفة «نكتة» أسخف من عبارة: «حماية الخصوصية»، التي نصادق عليها عند دخول معظم التطبيقات والبرامج الإلكترونية.. ولسبب بسيط: لأن إحدى أهم الغايات الرئيسية من شبكة الإنترنت أصلاً ليس إلا التجسس واختراق الخصوصيات بمختلف مستوياتها.. فضلاً عن عملية الاستثمار العالمية القائمة على بيع المعلومات المتحصلة من أكوام المستخدمين على امتداد خارطة السماء التي يسكنونها فعليًّا لا افتراضيًّا.. صندوق الأسرار الأسود.. الذي تقصده جملة العنوان يذهب إلى أقرب وأصعب في ذات اللحظة من الأبعاد الدولية الاستخباراتية والاقتصادية والثقافية الكبرى التي يدركها الجميع.. بل على المستوى الفردي في إطار العائلة والأصدقاء والمجتمع الصغير عبر هاتفك أو جوالك الشخصي.. تخيل أن تكون في لقاء أسري أو أحد اجتماعات وتجمعات الأصدقاء أو الأقارب أو زملاء العمل.. ثم تقررون فجأة أن تلعبوا لعبة مشاركة الجميع ما يصل إلى هواتفكم من رسائل ومكالمات وتفاعلات مواقع التواصل الاجتماعي؛ ليستمع الجميع إلى أي مكالمة واردة عبر مكبر الصوت، وأيضًا تقرأ بصوت مسموع كل المراسلات والتفاعلات على الملأ.. كيف سيكون الوضع الخاص أمام الواقع العام.. وما حال الأقنعة التي أفقدت الناس وجوههم حينها؟!! الثابت أن الكمال الإنساني خيال.. ولهذا علينا أن نعيد النظر في معاييرنا المثالية التي صادقنا الثقافة المجتمعية على سطوتها وسلطتها، ومن ثم مضينا في تطبيقها، وكأننا ملائكة الله في جنته.. وكل ما عليك لمحاكمة هذه العبارة أن تستعيد المشهد أعلاه، وحينها ستقرر أي المعايير ستختار.. أسرارنا بأدق تفاصيلها متاحة للعالم سلفًا.. وهي متنقلة معنا أينما اتجهنا في جهاز يقال إنه ذكي، اسمه الجوال.. وإن رغبت في معرفة نتائج تجربة لعبة مشاركة الجوال قبل ممارستها فشاهد الفيلم الإيطالي (أناس غرباء تمامًا) Perfect strangers مشاهدة ممتعة.. ويا رب سترك.
مشاركة :