«أوبك» متمسكة بإعادة التوازن إلى السوق بقيادة السعودية - د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب

  • 7/2/2016
  • 00:00
  • 29
  • 0
  • 0
news-picture

يقصد بتوازن السوق تقلص الفجوة بين العرض والطلب وحدوث تحسن واسع في مؤشرات الطلب، لذلك فإن تحسن الأسعار ليس هو الهدف بقدر علاج تراكم مخزونات النفط التي هي أهم وأجدى في تحقيق استقرار أسواق النفط التي تتزامن مع بيانات أمريكية عن استمرار تقلص إنتاج النفط الصخري، وستكون الانخفاضات الحالية في أسعار النفط مؤقتة ومرهونة بانخفاض المخزونات، التي وصلت في الولايات المتحدة بانخفاض 2.5 مليون برميل ليصل المخزون في الولايات المتحدة عند 530.2 مليون برميل في منتصف يونيو 2016. لذلك لن تستجيب «أوبك» بقيادة السعودية إلى مقترح تثبيت الإنتاج من عدة دول وعلى رأسها روسيا خصوصا بعد تراجع أسعار النفط 10 في المائة في ست جلسات في منتصف يونيو 2016 مما أثار حفيظة موسكو وفنزويلا تبحثان تجميد إنتاج النفط مرة أخرى، على ما يبدو أن أغلب الدول المنتجة من داخل «أوبك» وخارجها تتفق على أن مخاطر ارتفاع أسعار النفط تفوق فوائده، وهي تتوقع أن تبقى أسعار النفط في نطاق 40-60 دولارًا للبرميل خلال الفترة المقبلة ما لم تكن هناك حوادث جيوسياسية غير متوقعة تحرك أسعار النفط خارج هذا النطاق. تركز «أوبك» في استراتيجيتها على حسن التعاطي مع البيئة الاقتصادية المضطربة الحالية، وستظل «أوبك» لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة، وتتحمل عبئًا كبيرًا في توفير إمدادات طاقة موثوقة وبأسعار معقولة، حيث تراهن «أوبك» على توازن السوق تلقائيًا بفعل تفاعل آليات العرض والطلب، بينما خيار التخلي عن حصة «أوبك» فهي غير مطروحة منذ البداية من أجل دعم الأسعار. البعض يعتقد أن «أوبك» ماتت بفعل تحول مهم في الفكر السعودي بشأن النفط من أن إدارة أسعار النفط من خلال تنظيم المعروض لم يعد ذا فائدة، لأن ضعف السوق يعكس تغيرات هيكلية أكثر منه اتجاهًا مؤقتًا، لكن «أوبك» تتحدى أنباء موتها بقيادة السعودية رغم تغير الأولويات والملابسات، وأسعار النفط ارتفعت 80 في المائة منذ فبراير 2016 في دلالة على نجاح استراتيجية «أوبك» بقيادة السعودية، وربيع الطاقة آت والانكماش آخر الدورات الاقتصادية لأسعار النفط، خصوصا أن السعودية اتجهت نحو طريقين متوازيين الأول استعداد السعودية لمرحلة ما بعد النفط وتأسيس صندوق التريليوني دولار من أجل تنويع مصادر الدخل مما يجعلها تستمر في سياستها التي تضغط على الإنتاج عالي التكلفة الذي سيواجه انهيارات حادة خلال العامين المقبلين بعدما كانت السعودية في العقود الماضية سعت لصالح الإنتاج عالي التكلفة على حساب مصالحها ومصالح الدول المنتجة في داخل «أوبك». السعودية قبطان سفينة «أوبك» تحاول توحيد منظمة تجهد في سبيل الاتفاق على أهداف إنتاج النفط، وهي تبحث عن طرق جديدة لإعادة «أوبك» منظمًا رئيسًا للسوق ولم تستبعد السعودية على لسان وزيرها الجديد خالد الفالح بأن تضع «أوبك» سقف للإنتاج متى احتاج الأمر، وهي تستخدم الدبلوماسية المكثفة والأسلوب الناعم من دون صدمات والإجماع الذي أقنع الكثيرين بأن «أوبك» ما زالت تتمتع بالحيوية. تتجه «أوبك» نحو إدارة جديدة من أجل استعادة دورها التنسيقي وبإدارة السوق من جديد، حيث أن الأسواق يمكن أن توازن نفسها في النهاية لكن عندما يتم الاعتماد فقط على الأسواق وحدها يكون الأمر في غاية الإيلام للجميع، لذلك الإدارة بالأسلوب التقليدي الذي تم تجريبه في الماضي قد لا يحدث مرة أخرى، ولن تقر «أوبك» تحديد سعر مستهدف لنفط «أوبك»، وإنما تنسيق الاستراتيجيات ومحاولة فهم ما يمكن لكل عضو من أعضاء «أوبك» أن يفعله أو ما لا يمكن أن يفعله، لذلك لم تحدد «أوبك» في اجتماعاتها الأخيرة سقفًا للإنتاج، بل أبقت على سقف إنتاجها دون تغيير أو تحديد. ومع رؤية السعودية 2030 لا تعني التوقف بأي شكل من الأشكال عن النمو، أو أن استثمارات السعودية في النفط ستتوقف لإيمانها بأن الطلب على النفط سيستمر، هناك سباق بين شركات الطاقة للتخلص من أصول المشروعات غير الفعالة، وأن السعودية تقود استثمارات الطاقة خلال السنوات الـ5 المقبلة ونحو 900 مليار دولار حجم استثمارات الطاقة الفعلية والمستقبلية في الشرق الأوسط، فاستثمارات قطاع الطاقة تزيد على 19 في المائة في 5 سنوات رغم الصراعات الجيوسياسية، وستظل دول مجلس التعاون الخليجي المورد الرئيس للطاقة لبقية دول العالم. فالاعتقاد السائد أن استخدام الفحم في طريقه للتراجع، وللغاز مستقبل زاهر كوقود منخفض الكربون، في حين أن النفط لا يزال ينمو خصوصا بعد إسدال الستار على نفط بحر الشمال وسيتم التخلص من 470 منصة بحلول عام 2055 وخمسة آلاف بئر، وعشرة آلاف من خطوط الأنابيب، و40 ألف كتلة خرسانية، فخلال العقدين المقبلين تبحث شركات النفط العالمية في وضع استراتيجية طويلة الأجل لتعزيز الوصول الآمن للطاقة في ظل ارتفاع الطلب المتوقع ومن تأمين منصات الحفر البحرية . التحول في السياسات الاقتصادية السعودية سيكون له تأثيره الكبير في سوق الطاقة، فتحول وزارة البترول إلى وزارة الطاقة يعكس رؤية التنويع الاقتصادي للسعودية وهي تجيب على السؤال الصعب أين تتجه السياسة النفطية السعودية بعد تمسك السعودية بحصص الإنتاج من الحفاظ على حصتها السوقية وستترك الأسعار للسوق لتحديدها، بل إن السعودية لم تعد تهتم بالأسعار كثيرًا كما كانت في السابق، بل على العكس إن برامجها الحالية تعتمد على أسعار نفط منخفضة ولم تتغير تلك السياسة بتغير وزير جديد بل صرح الفالح بأن السعودية ستحافظ على ثبات سياستها النفطية، بل أضاف الفالح بأن السعودية ستلبي طلب زبائنها على جميع المواد الهيدروكربونية سواء القائم منها أو الطلب المستقبلي الإضافي وهذا بفضل الطاقة الإنتاجية التي تتمتع بها حيث يشرف الفالح على قطاعات النفط والغاز والكهرباء والطاقة المتجددة والتعدين والصناعة من أجل النهوض بقطاع التعدين وزيادة مساهمته في الناتج المحلي إلى الرقم المستهدف في الرؤية السعودية 2030 والبالغ 97 مليار ريال. فالسياسة النفطية للسعودية ترى أن استهداف مستوى محدد للأسعار بات بلا فائدة لأن ضعف السوق العالمية يعكس تغيرات هيكلية أكثر من أنه اتجاه مؤقت، في أن تصبح السوق تنافسية أكثر منه احتكارية. تركيز السعودية على مشاريع المصب وتطوير المنتجات في المرحلة الراهنة وهو الأمر الذي يحقق فوائد كبيرة للاقتصاد السعودي، ويمثل تغيرًا جذريًا في التعامل مع مشاريع المصب ويحتاج الأمر إلى تطوير مستمر في المعرفة والابتكار وزيادة كفاءة الشركات الصغيرة والمتوسطة، خصوصًا أن المنتجات البتروكيماوية التي تنتجها السعودية في الوقت الحاضر يتم تصديرها كسلع ما يمثل قيمة مضافة أعلى للاقتصاد السعودي نتيجة التوسع في تصدير المنتجات نصف المصنعة وكاملة الصنع، ومن المتوقع زيادة التنوع في إنتاج المواد الكيميائية المتخصصة وهو ما يؤدي إلى زيادة العائدات من المستوى الحالي البالغ 500 دولار للطن الواحد إلى نحو 2000 دولار للطن الواحد بحلول عام 2040. كما أن رؤية «أرامكو» للإبداع والتطوير في مشاريع المصب التي ستؤدي إلى الحفاظ على مكانتها العالمية الرائدة التي تقوم على أربعة عوامل رئيسة أولها تعظيم قيمة إنتاج النفط الخام في السعودية متضمنة التكامل الرأسي والأفقي في عمليات إنتاج الهيدروكربونات، والعامل الثاني يتمثل في النهوض الشامل والواسع بقطاع الصناعات التحويلية التي تنتج السلع نصف المصنعة وكاملة الصنع وهو الأمر الذي يقدم مساهمات واسعة وقوية على طريق تنويع الاقتصاد، بينما يشمل ثالث العوامل التوسع في الاعتماد على التقنيات المتقدمة والابتكار ودعم التطور في هذا المجال المهم، فيما رابعها يتعلق بتمكين وتعزيز التنمية المستدامة في السعودية. كما أن استراتيجية «أرامكو» تقوم على فكرة العمل على تحقيق توازن أفضل بين طاقة مشاريع المنبع التي تصل إلى 12 مليون برميل يوميًا وبين طاقة التكرير الحالية التي تبلغ 5.4 مليون برميل يوميًا داخل السعودية وحول العالم، لديها خطة لرفعها إلى ما بين ثمانية وعشرة ملايين برميل يوميًا بسبب أن الطاقة التكريرية للنفط تضاعفت عالميًا 3 مرات في 10 سنوات والطلب يرتفع على البنزين، من أجل أن تتجاوز مشكلة المخزونات التي أحدثت تحولاً كبيرًا في متوسط خمس سنوات من مستوى سلبي نحو 85 مليون برميل عام 2013 إلى وجود فائض يقدر بنحو 350 مليون برميل يوميًا ثلاثة أرباعه يرتكز في أمريكا الشمالية وليس هناك شك في أن يؤثر سلبًا بقوة في أسعار النفط الخام ويؤخر تعافيها وتوازن السوق، كما أن هناك توسعًا مماثلاً في المخزونات في الدول النامية نتيجة التوسع الدولي في تكوين احتياطيات استراتيجية من الخام عقب انهيار الأسعار وبمجرد معالجة المخزونات تبدأ أسعار النفط في التعافي بشكل جيد ومتسارع. لذلك تتجه السعودية إلى شركات النفط المتكاملة رأسيا التي تجمع بين عمليات ما قبل الإنتاج، وبين عمليات ما بعد الإنتاج، مثل تكرير النفط الخام وبيع المنتجات النفطية حتى تحمي نفسها من تذبذب أسعار النفط، وتتجنب ضغوط انخفاض أسعار النفط بسبب أن إيرادات الشركات المتكاملة لا تتأثر كثيرًا بانخفاض أسعار النفط بل يعد تحوطًا ضد حدوث انخفاض أسعار النفط، فمثلاً شركة رويال داتش شل حققت أرباحًا في عام 2014 مقدارها 16.5 مليار دولار من عمليات ما قبل الإنتاج و6.3 مليار دولار من عمليات ما بعد الإنتاج، وفي عام 2015 انقلب الميزان فتراجعت عائدات عمليات ما قبل الإنتاج إلى 1.8 مليار دولار، بينما بقيت أرباح ما بعد الإنتاج ثابتة تقريبًا. كما أن أسعار النفط الضعيفة ساعدت مصافي التكرير عام 2015 على تعزيز هوامشها الربحية فمثلا أعلنت شركة بريتش بتروليوم عن متوسط هوامش تكرير بما يعادل 17 دولارًا للبرميل مرتفعًا 18 في المائة مقارنة بعام 2014. فأعمال ما بعد الإنتاج يمكنها تحقيق الاستقرار خلال فترة هبوط أسعار النفط، فمثلاً شركة ست اندرد أويل سيطرت على أعمال النفط الأمريكية الأمر الذي منحها مكانة ونفوذًا على شركات الإنتاج المجزأة، كما أن الشركات الغربية الكبرى في السوق العالمي ساعدها في امتلاك سلسلة القيمة كاملة في الاحتفاظ بالهيمنة.

مشاركة :