القاهرة:الخليج كان مصطفى صادق الرافعي يمثل المدرسة القديمة في الكتابة بكل أصولها وأسسها، بينما كان طه حسين يمثل المدرسة الحديثة بكل سماتها وأساليبها، وكان الرافعي نموذجاً للقديم الذي يتشبث بالحياة على حالها، في حين أن طه حسين بحث عن الجديد، الذي يغير وجه الحياة، كان الخلاف بينهما في كل شيء، في اللغة والأسلوب والرأي والفهم، وفي تناول الأدب واللغة. حين أصدر الرافعي ديوانه الأول عام 1903، كتب المنفلوطي عنه، وأطلق عليه لقب شاعر المعاني وكان طه حسين آنذاك شاباً، يحاول في نقده أن يقدم موازين جديدة للنقد، وإن كان اسمه لم يحظ بالمكانة التي كان يحظى بها الرافعي. كانت معركة الرافعي مع طه حسين فاتحة خصومة أدبية عنيفة بين اتجاهين، أخذ كل منهما يتربص بخصمه، ويجمع حوله المؤيدين والأنصار على مدى ربع قرن من الزمان، وكانت بداية المعركة على صفحات الجريدة في أواخر عام 1912 حين نشر حفني ناصف خطاباً موجهاً إلى الرافعي يمدح فيه كتابه الأخير حديث القمر، وهنا كتب طه حسين مقالة مضمونها أن الرافعي ألح على حفني ناصف، حتى اضطره إلى مدحه في هذا الخطاب، كانت هذه العبارة بمثابة الشرارة الأولى لمعركة بين الاثنين، فعندما قرأها الرافعي سارع إلى التكذيب في مقال كتبه في الجريدة بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني 1913. قال الرافعي: كنت متردداً في أمر طه حسين هذا، لأني لا أعرفه، فلم أكن أدري أحمل خطاه محمل سوء الفهم أو سوء النية، حتى رأيته في مقاله بالأمس يستعين بالكذب أيضاً، فزعم أني ألححت على الأستاذ حفني ناصف بك لكي يكتب عني، حتى فعل لكي يتخلص من إلحاحي، ولكن هل يعقل أن يدفعه الإلحاح إلى أن يقضى ليلتين منفرداً في قراءة حديث القمر كما صرح بذلك في كتابه البديع الذي نشرته الجريدة. هاجم طه حسين الرافعي بطريق غير مباشر حين كتب الشاعر حافظ إبراهيم قصيدة مادحاً فيها كتاب حديث القمر كتب في الجريدة في يناير 1913 مقالا عنوانه حافظ وحديث القمر.. أمدح أم هجاء؟ جاء فيه: نعم إن حافظ لم يقرظ صاحبه بالأمس، بل كان أبلغ مني في نقده، وإن احتاج من الجهة الخلقية من الصراحة حتى لا يخدع الجمهور، فأين التقريظ من قوله: فعند كتابك تحني الرؤوس/ وتعيا العقول ويصفو الفكر متى كان الكتاب الذي يعيي العقول كتاباً حسناً أو سفراً محموداً. توقفت هذه المعركة إلى أن بدأت من جديد، حين أصدر الرافعي كتابه رسالة الأحزان فهاجمه طه حسين في جريدة السياسة في مايو ويونيو عام 1923، وقال: نظلم الأستاذ الرافعي إذا قلنا إنه لا يشق على نفسه في الكتابة والتأليف، بل أنت تنصفه إذا قلت إنه ينحت من الصخر، ولكني لا أجد في هذه الجملة ما ينبغي لوصف هذه المشقة ومالي لا أتبسط معه بعض الشيء فأقول إن كل جملة من جمل هذا الكتاب تبعث في نفسي شعوراً قوياً مؤلماً بأن الكاتب يلدها ولادة وهو يعكس من هذه الولادة ما تقاسي الأم من آلام الوضع. لم ينتظر الرافعي كثيراً فقد جاء عام 1926 ومعه أصدر طه حسين كتابه في الشعر الجاهلي ووجدها الرافعي فرصة للانتقام، وكان أكثر النقاد هجوماً على طه حسين، فكتب عن الكتاب ما يزيد على 20 مقالاً، ضمنها بعد ذلك كتابه تحت راية القرآن واستمرت المعارك بين القطبين الكبيرين إلى أن مات الرافعي في العام 1937، وكان رأيه أن طه حسين ليس بالضعيف الذي تتوهمه، وهو في أشياء كثيرة حقيق بالإعجاب كما هو في غيرها حقيق باللعنة.
مشاركة :