الأردن على مفترق الطرق (3)

  • 7/3/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الصورة المخيفة في الأردن التي تحدث عنها الدكتور جواد العناني، نائب رئيس الوزراء، حقيقية وصادقة في الوقت نفسه، وغرفة الإنعاش التي تحدث عنها الدكتور عبد الرؤوف الروابدة، رئيس الوزراء الأسبق، أيضًا صادقة بنفس الدرجة. وهنا لابد من إمساك الخيط من أوله، حتى نفهم الصورة كاملة، وحتى نمتلك بعض الأدوات التي تساعدنا على الاستشراف المستقبلي للإجابة على السؤال الأهم: إلى أين تذهب الأمور في البلد؟ لا شك أن اللحظة الحاسمة، أو النقطة الحرجة للتحول في الأردن، كان في عام 1989 عندما انهارت قيمة الدينار مقابل الدولار، ما أدى إلى اندلاع انتفاضة معان الأولى في أسرع رد على هذا الانهيار، الذي بدا غريبا، وهي الانتفاضة التي أدت إلى الإطاحة بحكومة زيد الرفاعي، تنظيم انتخابات برلمانية بعد طول انقطاع، ورفع الأحكام العرفية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورد جوازات السفر لأصحابها، وانتخاب مجلس نواب بنزاهة قبل بها الجميع ولم يشكك بها أحد، وهي الانتخابات التي منحت الإخوان المسلمين ما يقرب من ربع مقاعد المجلس، وشكلت لحظة تاريخية كبيرة في تاريخ الأردن، وكان البلد يلتقط أنفاسه بعد الانتفاضة الجماهيرية التي توسعت لتشمل عددا من المدن والمناطق، وتصرف الملك الراحل حسين بن طلال، بحكمة وبعد نظر، وتمكن من السيطرة على مفاصل الأزمة وتهدئة الأمور بطريقة إيجابية. استطاع الملك حسين أن يبني في الأردن مؤسسات فاعلة وجيش منضبط وأجهزة أمنية تحت السيطرة، وكان مرجعا حقيقيا ومقبولا لكل القوى السياسية والعشائرية، وأنشأ بنية تحتية تعتبر من بين الأفضل في العالم العربي، رغم شح الموارد، وشهد القطاع الصحي والتعليمي في عهده ازدهارا كبيرا، وصار الطلب على المعلمين والأطباء والممرضين الأردنيين كبيرا في دول الخليج العربية والجزائر وليبيا وغيرها. وكانت المديونية الأردنية قليلة ومقدور على سدادها. والمنح الخليجية تساهم في بناء البلد ودعم موازنته. وتمتع البلد بحالة من الاستقرار وانخفاض معدلات الجريمة وإدمان المخدرات. كما أن الملك حسين حاول أن تكون الفروقات الاجتماعية والطبقية في حدها الأدنى، فلم يكن هناك مظاهر مستفزة للثراء الفاحش أو الفاجر، وكانت الناس عايشة إذا استخدمنا التعبير الشعبي السائد، على قاعدة اللي برضى بعيش.. إذن ما الذي تغير، وما حدث لكي تنقلب الأوضاع رأسا على عقب؟ المشكلة لها رأسان؛ اقتصادي وسياسي، وإذا كان الاقتصاد هو المحرك الأساسي لكل المشاكل الكبيرة للدول، وأحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الثورات والانتفاضات أو التمرد، فإن التحولات الاقتصادية في الأردن فاقمت من المشاكل، ودفعت الأمور إلى الانفجار في أعوام 1989 و1996 و2014 وما بينها من احتجاجات صغيرة هنا وهناك، خاصة إضراب عمال ميناء العقبة والمعلمين وغيرهم. فتحنا عيوننا على الدنيا ونحن نسمع مصطلحات خطة خمسية و خطة عشرية وخطط ثلاثية ورباعية، واكتشفنا بعد عقود أن هذه الخطط لم تكن أكثر من سراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماء، والدليل على ذلك أن المديونية الأردنية وصلت حاليا إلى 35 مليار دولار، وهو رقم خرافي لبلد في إمكانات الأردن. هذه المديونية الخرافية تجبرنا على فتح ملفها: لماذا استدنا وأين ذهبت هذه الديون وأين صرفت ومن استفاد منها؟ ويدفعنا أيضًا إلى محاكمة كل السياسات الاقتصادية التي أغرقتنا في بحر من الديون، ووضعتنا تحت رحمة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووصفاتهما الفاشلة للحلول المزعومة. للأسف الشديد فإن كهنة الفشل الاقتصاديين في الأردن لا يزالون يسيطرون على الوضع بنفس الطريقة والأسلوب القديم وبنفس البرادايم أي نموذج العمل والتفكير مما يعني أن الأزمة ستستمر وتتعمق وتتحول من خطر إلى أخطر.

مشاركة :