الأردن على مفترق الطرق (4)

  • 7/5/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في مطلع التسعينيات من القرن الماضي بدأ الأردن موجة من الاستدانة غير المعقولة وغير المبررة، فقد كانت الحياة مقبولة، والأسعار في متناول اليد، وكان بالإمكان استئجار بيت بأقل من 80 دينارًا، وأحيانا بنصف هذا المبلغ في منطقة شعبية، وكان المواطن الأردني يستطيع أن يمشي أموره بمائة وخمسين أو مائتي دينار، فقد كان معدل الرواتب في ذلك الحين 150 دينارا، وإذا ما حصل المواطن على مثلها من عمل آخر فإن الحياة تكون معقولة، صحيح أنه لا يتمتع بالرفاهية أو امتلاك سيارة أو بيت، ولكنه يستطيع أن يعيش مستورًا دون الحاجة إلى الاستدانة إلا إذا وقعت كارثة أو حادث أو حاجة ملحة للعلاج في القطاع الخاص. إلا أن دهاقنة الاقتصاد من المسؤولين في الإدارة الأردنية الحكومية أخذوا يتوسعون في الاقتراض من دون أي مبرر منطقي. في هذه الأثناء بدأت تتشكل في الأردن طبقة طفيلية من الأثرياء، بطريقة غريبة، وانتشر بناء القصور والفلل الفارهة في مناطق عمان الغربية، لدرجة أنني عندما ذهبت إلى هناك للمرة الأولى برفقة أحد الأصدقاء سألته: هل أنت متأكد أننا ما زلنا في المملكة الأردنية الهاشمية، فقد كانت الشوارع نظيفة والبيوت جميلة وفارهة والحدائق منتشرة، وكنت تشم رائحة الزهور من حدائق المنازل، وتشاهد المحلات الجميلة والماركات العالمية والمقاهي والمطاعم الراقية، وسألت: من أين يأتي الناس هنا بالمال؟ لا أريد أن أكون عنصريا ولا حاقدا أو حاسدا، خاصة أنني انتقلت للسكن هناك بعد سنوات طويلة من العمل في الخليج، فكل بلد فيه أغنياء، وحتى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان هناك عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، وهما من كبار الأثرياء في زمن لم يكن يملك فيه كثير من الصحابة درهما ولا دينارا، ووجدت هناك رجال أعمال وتجارًا ومغتربين أفنوا شبابهم من أجل امتلاك بيت في حي جميل ومنطقة هادئة مرتبة، ولكن كل هؤلاء كانوا أقلية رجال الأعمال والتجار والمغتربين، والبقية موظفين ومسؤولين حكوميين، وهذا يفتح الباب أمام السؤال من أين حصل هؤلاء على المال من أجل شراء بيت يكلف صاحبه 10 سنوات من الاغتراب أو ربما عشرين عاما؟ وهل هذه بعض أموال الديون التي يتحمل الأردنيون تبعاتها الآن. لا أريد أن أتهم أحدا فأنا لا أملك أي دليل لاتهام شخص واحد، ولكني أتساءل عن الظواهر التي أقيسها بمقياس المنطق والحسابات العادية لدخل أي موظف حكومي مهما علت رتبته، وربما هذا ما دفع رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة مارغريت تاتشر التي زارت الأردن ذات يوم، إلى سؤال مرافقها: لماذا تأتون إلينا لطلب المساعدات وأنتم لديكم كل هذا؟ الثراء ليس عيبا ولا حراما، بل واجب كل دولة أن تحول مواطنيها إلى أثرياء بأن تلبي لهم كل احتياجاتهم في الحياة.

مشاركة :