آلة الزمن الثلاثية

  • 7/4/2016
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

ما يزال هناك أناس يقفون على الأطلال باكين، ساحقين ولاعنين من هجر واستبدال الماضي بما هو جديد، واقفين عند حقبة معينة، ساخطين على من جعل من التاريخ مهزلة مسطورة على الورق، ولا يذكره الناس إلا في مناهج الدراسة والامتحانات والأغاني القديمة، حاملين له معاني الأسف والحسرة فقط دون اتخاذ محاولات جدية وجديدة لإحياء تلك الأيام، وإعادة القرون التي تلونت بعصور الخطوط والعلوم والمعارف الذهبية. وأما في الحاضر، فهم يبحثون عن الكنوز في باطن الأرض، وقد تناسوا ما عليها من بشر، وأراضيهم أصبحت ملطخة بدماء بعضهم البعض، مكتفين بجمع الطين المخلوط بالدم في ساعة رملية فارغة، وقلبوها، ومازالوا يرددون التعويذة الفرعونية على أمل أن يتحرك الطين فيعود الزمان إلى الوراء ويقابلوا الماضي مرة أخرى، وتفك تلك اللعنة التي حلت عليهم. لا يعلمون أن الكوارث التي صنعوها تشكلت على هيئة ذلك الطين المكتل المحشو بحصى أكبر حجمًا من عنق الزجاجة ومازال كما هو عالقًا في عنق صناعة المجد الضيقة، التي لا يمر من خلالها إلى الرجال والأبطال الذين يعيشون زمانهم بحاضره، ويغيرونه بالمرونة والمروءة وسرعة التصرف وتقبل ما هو جديد مع الحفاظ على تقاليد الدين والمجتمع الصحيحة، أما البالية والمغلوطة منها فقد دفنوها. وأن عليهم أن يستقبلوا الحاضر ويلدوا المستقبل، ويلجأوا إلى الكتب كي يقرأوا عن تاريخ مجد الماضي العظيم، ويتعلموا من هزيمته كي لا يهزموا مرة أخرى، ويصبحوا كالفعل متغيرين لا كالاسم ثابتين، وأن يألفوا كتابًا يعيش بعدهم، لا كحكاية الماضي التي دفنوها ودفنوا كاتبها معها، ولم يواكبوا ما بعدها، ويحولون سقوطهم إلى الأعلى من خلال القراءة ويعودوا إلى ماضيهم الجميل كي يشاهدوا احداثًا قد غيرت التاريخ، ويمحوا طول الغياب، ويقللوا من عرض الدمار، ويرسموا ارتفاعات جديدة، فلا مكان للبعد الرابع! عليهم أن يعيدوا المجد، ويمسحوا دموع البكاء على الأطلال، ليكون الماضي أحد مكونات مسرح الحاضر والمستقبل، ويروا حكايتهم التي اغبرت، ويمزقوا تلك الشماعات وينقذوا تلك الرقاب التي تنتمي لهم والتي علقوا عليها حبال أخطائهم، وشنقوها بيدهم دون رحمة، فلولا تجارب الماضي لما وصلنا إلى القمر، وأن مواكبة الحاضر تجعلنا نحقق المزيد في المستقبل، فلنمزج خبرة وعبق الماضي مع تجارب وجمال الحاضر كي نحصل على مستقبل زاهٍ! المصدر: فرح محمود

مشاركة :