اليوم عيد أو غداً، ولليوم وغدٍ وكل يوم أقول للجميع كل عام وأنتم بخير وعاد عيدكم بالمسرات. لن أستعيد معكم شجن الذكريات وشجى الأحداث فأكرر عليكم: عيد بأية حال عدت يا عيد، وإنما أستأذنكم أن نسمح للفرح بولوج أفئدتنا بدون شروط أو قيود، دعوه يتسرب لنا مع خيوط أشعة شمس أيام العيد التي تجتهد الأغطية والستائر السوداء في الحيلولة بيننا وبين نور العيد. ليست مشكلتنا فقط مع مصدات السعادة التي يتم توليدها او استدعاؤها مع كل مناسبة للفرح وإنما مع منافسة شرسة تعولم مناسبات أخرى وفقاً لقدرة ثقافاتها على التواصل مع العالم وهيمنة مكنتها الإعلامية.. السعادة والفرح ليسا محطة نواصل الانتظار في الصول إليهما، لنبدأ الإحساس بهما قبل أن نتحرك، ونتذوق كل ثانية في طريق السعادة قبل الوصول إليها. لا تحاول أن تجعل منها مستحيلاً أو بعيدة المنال، فهي قريبة، في عين طفل إلى جوارك، في خفقة قلب ينبض بالحياة، في شعور بالصحة يستوجب الشكر، إنها في طريقك الآمن إلى المصلى، وفي ممرات الحي والقرية التي تتنفس الاستقرار، إنها في كل شيء حولك إذا أردت أن تبصرها وتعيشها. السعادة بحسب الروائي الأميركي واين داير تنبع منك، ناتجة عن طريقة تفكيرك، وكل منا بداخله مفاتيح السعادة وعليه أن يبحث عنها وألا يضيع من عمره الكثير من الوقت. جرّب مع الأميركي وايتليى بأن تعيش السعادة باعتبارها تجربة روحانية لقضاء كل دقيقة مع الحب، والنعمة، والعفو، والامتنان. عش السعادة وأنت غارق في الشعور بالرضا، وطمأنينة النفس، وتحقيق الذات، وشعور بالبهجة والاستمتاع واللذة، وأن يكون كل ذلك وفقاً لمقاييسك وظروفك أنت وليس غيرك. جرّب يوم العيد أن تنسى متاعبك، تنسى هياطك تبتعد عن برستيجك، تتخلى عن أنانيتك، تتواضع قليلاً وتعيش مع البشر الذين يتذوقون السعادة وهم حفاة عراة جوعى. حاول أن تنزل من برجك العاجي قليلاً لتتزود ببعض السعادة التي لا يمكن أن تجدها في مكان متكلف كل شيء فيه متصنع. حاول أن تقضي العيد كلما أمكن في مسقط رأسك، قريتك، حارتك، وأن تطلق لذاكرتك العنان لتلامس الأرض التي درجت عليها عارياً من كل شيء في يوم ما. انس كل شيء هذا اليوم، وتذكر أنك سعيد وأن سعادتك نابعة من ذاتك. من يبحث في محتوى العيد يجد استغراقاً في استدعاء الحزن وتذكر من مضى من الأحبة، واجترار مآسي الأمة. ومع أن العيد يومان في العام فإننا نستكثر تخصيصهما للفرح في مقابل بقية أيام السنة التي تتسع لهذا وذاك. يقول ابن الرومي: ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ فهل من المعيب أن نفرح بعودتنا للأكل والشرب ومعاقرة الشهوات المباحة بعد شهر الصوم؟ أتفهم الحالة النفسية لمن زاد وزنهم في رمضان بفعل وفرة الموائد وبذخها التي بكل تأكيد لم تشعرنا بما يعانيه الفقراء والمعوزون من جوع. ولكن عليهم أيا كانت النتائج أن يتذوقوا الفرح من أجلهم ومن أجل من حولهم، فهناك أسباب للفرح المشروع، فلماذا لا ننتهزه ونركن الأحزان ما مضى منها وما هو آت جانبا؟يقول ابن المعتز: أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ ليست مشكلتنا فقط مع مصدات السعادة التي يتم توليدها او استدعاؤها مع كل مناسبة للفرح وإنما مع منافسة شرسة تعولم مناسبات أخرى وفقاً لقدرة ثقافاتها على التواصل مع العالم وهيمنة مكنتها الإعلامية مدعومة برصيد من الإعجاب بالحضارة التي أنتجت تلك الأعياد والانبهار بها، ومواصلة ربط عيدي الفطر والأضحى بالنوم، أو الحزن أو الهروب من الإحساس بهما يجعلهما كبقية أيام العام بينما يصبح الترقب بالشوق والوعد بالسعادة لصالح الكريسمس ورأس السنة والنيروز مثلاً. العالم يحشد مظاهر البهجة قبل الكريسمس ورأس السنة، وليت الأمر بقي داخل النطاق الجغرافي للدول المسيحية، ولكنه أصبح عيداً كونياً يدفع السعادة دفعا إلينا عن طريق الاستعدادات التي تسبقه على أعلى المستويات ومنها إضاءة شجرة الكريسمس في البيت الأبيض ليشاهد العالم احتفاء أعظم دولة في التاريخ الحديث بعيدها. وتتزين الأسواق العربية والمحلات التجارية بألوان وأشجار الكريسمس وصور الثلج ومجسماته، وبابا نويل وأوهامه، بينما عيدا الفطر والأضحى يتحولان إلى شبه المآتم بكل أسف. أمام هذه السيطرة يفقد عيدا المسلمين بهجتهما، ناهيك عن التقصير الديني في يومين اختارهما الله لنا عيدين في السنة فتركناهما وتعلقنا بأعياد الآخرين. وليس الترك عدم قيامنا للصلاة فهي فرض كفاية، وإنما الترك يكون بعدم التشبع بحضرة العيد، والانغماس في تفاصيله أفراداً وأسراً ومجتمعات إسلامية. دول وأمم كثيرة تتعلق إلى جانب الكريسمس ورأس السنة بأعياد الموالد وشم النسيم والربيع والقيامة والشكر، ودخل على الخط عيد الحب. وهناك دول إسلامية كبيرة كإيران تخصص لعيدي الفطر والأضحى يوماً لكل واحد منهما، بينما تفتح الزمن على مصراعيه لعيد “النيروز” وهو عيد رأس السنة الفارسية، في يوم 21 مارس من كل عام وتحتفل به شعوب عديدة غير الشعب الإيراني مثل الأفغان، والأكراد في تركيا وسورية والعراق، والطاجيك، والقرغيز، والآذريين ويمتد نحو أسبوعين. إنها دعوة للسعادة في يوم العيد. وأيا كانت حالتك النفسية، وظروفك الشخصية، فلابد وأنك ستجد في نفسك ما يستحق أن تشعر بالسعادة من أجله. حاول ألا تتجهم في العيد، وألا تترك لمؤثرات خارجية أيا كانت أن تمنعك من السعادة والإعلان عنها بالتبسم: قال: السماء كئيبة! وتجـهمـا قلت: ابتسم يكفى التجهم في السما قال: الصِبا ولى! فقلت له: ابتسـم لن يرجع الأسف الصبـا المتصرمـا قال: التجارة في صــراع هـائـل مثل المسافر يقتله الظمــــــا أو غـــادة مسـلــولة محتـاجة لدم، وتنفث كلما لهثت دمــــــا! قلت: ابتسم، ما أنت جالب دائها وشفائها، فإذا ابتسمت فربمـــا فإذا تمرد قلبك، وأصر على الوجوم إصرارا، فاقرأ عليه فبذكر الله تطمئن القلوب.
مشاركة :