عشية إتمام معركة منبج شهرها الأول، تبدو الحسابات العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية ومن خلفها التحالف الدولي، لا تتطابق مع حسابات الوقائع الميدانية التي يمسك بها تنظيم داعش على الأرض، لأن تطورات الأيام الأخيرة خالفت استراتيجية هذه القوات التي أخفقت حتى الآن في تحقيق أي خرق فعلي أو تقدم استراتيجي داخل المدينة، خصوصا أن المعلومات تفيد بأن التنظيم امتص الضربات وبدأ بشن هجمات قوية ومباغتة لفكّ الحصار المفروض على المدينة. وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، أن «مقاتلين سوريين مدعومين بضربات جوية تقودها الولايات المتحدة، صدّوا صباح الاثنين (أمس) هجومًا مضادًا لـ(داعش) قرب مدينة منبج». وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن: «إن عشرات الضربات الجوية للتحالف الدولي صدّت مقاتلي (داعش) ومنعت تقدمهم»، مشيرًا إلى أن قوات سوريا الديمقراطية «لم تحقق نجاحا في منبج منذ عشرة أيام»، مشيرا إلى أن «التقدم بطيء لأن مقاتلي التنظيم لغموا المباني بالمدينة». ونقلت وكالة «الصحافة الفرنسية» عن مسؤول عسكري في قوات سوريا الديمقراطية، أن التنظيم «يسعى إلى كسر الحصار المفروض على منبج، حيث شن هجومًا مضادًا ليل السبت من ثلاث جبهات حول المدينة، وتلاه هجوم آخر مساء الأحد وثالث في الساعات الأولى من فجر الاثنين». إلى ذلك، تمكن 13 ألف مدني من الفرار من المعارك العنيفة في مدينة منبج، منذ العملية العسكرية الهادفة لطرد التنظيم المتطرف من المدينة. وأشارت المعلومات إلى أن «عملية النزوح تضاعفت منذ أن تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من تطويق المدينة بالكامل في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي». ويبدو أن ثمة عوامل كثيرة تحول دون تحقيق انتصار سريع للقوات المهاجمة، ويعتبر رئيس (مركز الشرق الأوسط) للدراسات الدكتور هشام جابر، أن «معركة منبج طويلة، لأن هذه المعركة لها ظروفها ومفاعليها». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «ما حكي عن تحرير القوات الكردية لـ60 قرية في ريف منبج كان مبالغًا فيه، لأن التنظيم انسحب من هذه القرى انسحابا تكتيكيًا، وتحضّر للمعركة الأهم وهي معركة المدينة، التي تعدّ أهم جبهة له في ريف حلب الشمالي». وقال جابر وهو خبير استراتيجي وعميد متقاعد في الجيش اللبناني: «إن تنظيم داعش أظهر في الأسابيع الأخيرة براعة في المناورة، إذ استطاع أن يخرج من المدينة وينفذ هجمات معاكسة ضد قوات سوريا الديمقراطية واستطاع إبعادها عن أسوار المدينة»، مشيرًا إلى أن «دخول القوات الكردية إلى بعض أحياء منبج كان رمزيًا، فهي تقدمت إلى أحد الأحياء الواقعة من الناحية الجنوبية الغربية، وليس إلى وسط المدينة، لكن التنظيم نفذ عملية معاكسة وأعادهم من حيث أتوا». ولم يستبعد الخبير الاستراتيجي وجود تأثير للتقارب التركي الروسي على مسار معركة شمال حلب، لافتًا إلى أن «سقوط منبج بيد الأكراد، يعني عسكريًا وصل الشريط الكردي الممتد من شمال شرقي القامشلي إلى كوباني، وصولاً إلى الجيب الكردي غرب أعزاز وعاصمته عفرين»، معتبرًا أن ذلك «يعني سيطرة الأكراد على ما يقارب الـ700 كيلومتر أي ما نسبته 80 في المائة من الحدود السورية التركية». أضاف جابر: «الهمّ الأساسي لدى الأتراك هو الحفاظ على الشريط الحدودي مع سوريا بوضعه الحالي، فكيف إذا سيطر الأكراد على 80 في المائة من هذه الحدود»، مؤكدًا أن «عوامل كثيرة تجعل من السيطرة على منبج أمرًا صعبًا للغاية، منها وجود عشرات آلاف المدنيين في المدينة، وزرع حقول الألغام والأفخاخ وحفر الخنادق، بالإضافة إلى قدرة التنظيم على المناورة القتالية». وعن الأسباب التي دفعت بالأكراد إلى استبدال معركة الرقة بمعركة منبج، أوضح رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الدكتور هشام جابر أن «القوات الكردية تقدمت قبل أسابيع باتجاه الرقة واستعادت نحو 15 قرية، وتبين أن (داعش) انسحب منها تكتيكيًا، وقبل المضي في هذه الحرب الصعبة للغاية، وجدوا أنه من الأفضل التوجه إلى منبج والسيطرة عليها وقطع الإمداد عن التنظيم، وأنا أعتقد أن تغيير البوصلة باتجاه منبج هو مطلب كردي، هدفه وصل الشريط المذكور على طول الحدود مع تركيا». ويوم الأحد شهدت المدينة موجة نزوح، إذ فرّ المئات من سكان حي الحزاونة في جنوب المدينة، حيث تدور معارك عنيفة منذ أيام عدة». وأكد ناشطون أن «مئات المدنيين خاطروا بحياتهم للفرار من المدينة، إذ كانوا يمرون في مناطق اشتباكات، كما قتل عدد منهم برصاص قناصة تنظيم داعش الذي كان يمنع السكان من الخروج من المدينة، كما قتل عدد منهم نتيجة الألغام التي زرعها التنظيم في المدينة». أما عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض ياسر الفرحان، فأكد أن «التحالف الدولي والقوات الكردية لن يحققا أي انتصار في معركة منبج». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «قوات الحماية الكردية وتنظيم داعش هما وجهان لعملة واحدة وهي الإرهاب، فالأول إرهاب قومي والآخر إرهاب مذهبي». ودعا الفرحان قوات التحالف إلى «إجراء حوار جدي مع الشعب السوري، وهذا يبدأ بالخلاص من نظام بشار الأسد الاستبدادي الذي وفّر المناخ الملائم للإرهاب». وقال: «يجب أن تعلم الولايات المتحدة أن الجيش السوري الحر هو من حارب (داعش) وتقدم عليه وهزمه بكثير من المعارك وصولاً إلى دير الزور، لكن الإصرار على إضعاف الجيش الحر أدى إلى تمدد (داعش) بهذا الشكل».
مشاركة :