تقف الأزمة السورية أمام منعطف سياسي وعسكري، انطلاقا من خلط أوراق «التحالفات الدولية»، لا سيما لجهة علاقة تركيا مع روسيا وإسرائيل، وما سبقها من اختلافات بين النظام والموالين له، عبّر عنها بشكل واضح رئيس النظام السوري بشار الأسد، متهما حلفاءه إيران وروسيا بأنهما يحميان مصالحهما الخاصة في سوريا. وفي حين تعتبر المعارضة أن الخلافات التي ظهرت في الفترة الأخيرة في سوريا هي عابرة ولا يبنى عليها لتغيرات على الصعيد العام، فهي تعوّل وإن بحذر على الحراك التركي الأخير وما يرافقه من «تردّد عسكري» روسي ظهر في معارك الشمال السوري، عبر تراجع الدعم الجوي من قبل موسكو، مما أدى إلى تحقيق المعارضة تقدما لافتا في أكثر من موقع، وتحديدا في ريف حلب الجنوبي والرقة واللاذقية. ويتّفق كل من المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان آغا، والخبير الاستراتيجي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس خطار بودياب، على أن الحراك الدولي لا يزال في بدايته، مع تأكيدهما أنّ خلط الأوراق هذا يؤسس لمنعطف في مسار الأزمة السورية من المفترض أن تتضح معالمه في المرحلة المقبلة، فيما يتباين رأيهما لجهة أهمية الخلافات التي ظهرت أخيرا إلى العلن بين النظام وحلفائه. إذ إنه وفي حين يصف بودياب ما يحصل في سوريا بـ«أزمة زعامة» في معسكر الممانعة، يرى آغا أن هذه الخلافات «عابرة وموضعية»، رغم أنها تظهر تردّد موسكو التي يبدو أنها ماضية في اتجاه القناعة بأن الحل العسكري لم يعد مفيدا على عكس موقف إيران والنظام. وهذه الأزمة أظهرتها، بحسب بودياب، بشكل واضح التباينات بين الحلفاء واختلاف أجندات كل منها، منطلقا في ذلك من وقائع عدّة سياسية منها وعسكرية، أهمها معركة ريف حلب الجنوبي التي مني بها «الحلف» بخسائر فادحة، ونتج عنها اتهامات متبادلة بين قوات النظام وما يسمى «حزب الله» بـ«التخاذل»، كما سجّل تراجع الدعم الجوي الروسي في بعض مناطق الشمال حيث تقدمت المعارضة. ويضيف: «وبرز الخلاف بشأن معركة حلب واضحا، إذ إنه بعدما أعلن أمين عام ما يسمى (حزب الله) حسن نصر الله أنها معركته الأساسية فإذا بالسفير الروسي في دمشق يعلن صراحة أن روسيا قررت ألا تخوضها». من جهته، يربط الخبير العسكري السوري المعارض، عبد الناصر العايد، الخلافات الروسية مع النظام وإيران بالتفاهم التركي الروسي الذي أدّى إلى تراجع العمليات الروسية، لا سيما القصف الجوي في شمال سوريا ونجاح المعارضة في تحقيق تقدم، معتبرا أن هذا الأمر يمكن أن يكون محاولة من موسكو للضغط على الأسد للوصول إلى تسوية في سوريا. ويوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن النظام وإيران يطلبان من موسكو تغطية جوية تبدأ من حدود درعا وصولا إلى حدود تركيا، وهو ما لا يمكن لروسيا القيام به حتى لو استخدمت كامل أسطولها الجوي. ويضيف: «قرار خوض معركة حلب جاء بقرار سياسي من إيران لكسر شوكة تركيا في المنطقة في وقت لم يعد هذا الأمر هدفا روسيا، وهو ما أدى إلى خلاف واضح بين روسيا من جهة وإيران والنظام السوري من جهة ثانية، والدليل على ذلك أيضا أن موسكو غائبة عن معركة اللاذقية في الساحل، حيث تحقق المعارضة تقدما ملحوظا». وفي حين يرى آغا أن هناك اقتناعا لدى مختلف الجهات أن حلّ الأزمة السورية يجب أن يكون هذا العام إنما يبقى الاختلاف على كيفية إنهائها، يعبّر عن اعتقاده أن السياسة التركية الجديدة ستكون لصالح القضية السورية، وستخفّف من الاحتقان في المنطقة لتخفت الصراعات الكبرى وتنحصر في القضية السورية الرئيسية. ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «من الواضح أن هناك تنافسا خفيا بين روسيا وإيران في سوريا إنما لا شك أنهم متفقون في الهدف البعيد، من هنا أعتقد أن خلط أوراق التحالفات سيجعل الجميع، لا سيما موسكو وطهران تتجهان للبحث عن المصالح الممكنة بدل المطلقة التي يسعون لها، وهو ما قد يمهّد الوصول إلى حل في سوريا». ويؤكد: «عدم وجود أي شك لدى المعارضة من أي سياسة تركية جديدة أو تغيرات قد تطرأ عليها»، مضيفا: «كما أنه وبدل الوسيط الأميركي نتوقع أن تلعب تركيا دورا إيجابيا في سوريا، وهي التي باتت طرفا أساسيا في الصراع نتيجة الضغوط التي تعيشها الأزمة السورية». ويقول: «كذلك فإن من شأن هذا التقارب أن يخفّف حدة الصراع العسكري في الشمال، حيث من المتوقع أن لا تمضي روسيا بعيدا في دعمها الفيدرالية الكردية تفاديا لإزعاج تركيا أو القيام بأعمال استفزازية على حدودها». لكن في الوقت عينه، يلفت آغا إلى المعلومات التي أشارت إلى نية تركيا السماح لموسكو لاستخدام قاعدة «إنجرليك» البحرية وهو ما عادت أنقرة ونفته، قائلا: «هذا الأمر إذا حصل سيخالف الآمال المعقودة على المصالحة التركية الروسية». أمام كل هذه التغيرات، يعتبر بودياب أن خلط الأوراق يؤسس لمنعطف في مسار الأزمة السورية ستظهر نتائجه في الأسابيع القليلة المقبلة، مضيفا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كما سقطت التحفظات أمام التطبيع التركي - الروسي قد تحصل المفاجأة وتسقط أمام الحل السياسي في سوريا، لا سيما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى لكسب الحل السوري قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما». ويعتبر العايد أن «الروس فهموا قبل إيران والنظام، أن الحرب فرضت توازنات معينة، خصوصا أنه وبعد 9 أشهر من الدخول إلى سوريا لم تستطع تحقيق أي إنجاز كبير، وأدركت أن الحرب تحوّلت إلى حرب عصابات تستحيل على أكبر جيوش العالم أن يخوضها ويخرج منتصرا». ويلفت بودياب إلى «التغيرات التي طرأت على العلاقات بين الدول المعنية بالملف السوري، انطلاقا من اختلاف أجندات كل منها، وهو ما حصل نتيجة التطبيع التركي - الروسي والمصالحة التركية الإسرائيلية، بحيث يتضح أكثر اختلاف الأجندات بين الفريق الواحد الذي يعوق بدوره الوصول إلى حل نهائي في سوريا». موضحا: «أفق موسكو هنا يختلف بالتأكيد عن أفق النظام السوري وإيران. فروسيا أصبحت عرابة الحل السياسي بعد اقتناعها باستحالة الحل العسكري، يهمّها الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية مع الاحتفاظ بشكل النظام السوري من دون التمسّك برئيسه بشار الأسد، وهي تسعى للوصول على المدى المتوسط إلى حلّ من دونه. لكن في المقابل تمنع طهران ذلك عبر إمساكها بالحلقة الأولى حول الأسد الذي تعتبر أن منظومته ضرورية لحماية مصالحه».
مشاركة :