دماغنا... كيف يكتسب العادات ويتحرّر منها؟

  • 7/8/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا تُعتبر العادات كافة سيئة، حتى إن بعضها ضروري. على سبيل المثال، من الجيد أن نتمكّن من العثور تلقائياً على درب العودة إلى المنزل أو غسل يدينا من دون التفكير في كل خطوة من خطوات هذه العملية. لكن العجز عن الانتقال من السلوك المعتاد إلى عملية اتخاذ القرارات المتعمدة يخفي وراءه إدماناً أو اضطراب الوسواس القهري. برهن فريق دولي من الباحثين، استند إلى نموذج من الفئران، ما يحدث في الدماغ ويسمح للعادات بالتحكم في السلوك. نُشرت الدراسة في مجلة Neuron، وترأستها كريستينا غريميل، بروفسورة مساعدة متخصصة في علم النفس في جامعة كاليفورنيا بسان دييغو. قدّمت الدراسة أقوى أدلة حتى اليوم، وفق غريميل، على أن دارات الدماغ المرتبطة بالعادات والسلوك الرامي إلى هدف تتنافس للفوز بالسيطرة في القشرة المدارية الجبهية (منطقة من الدماغ مسؤولة عن اتخاذ القرارات)، وأن مواد كيماوية عصبية تُدعى إندوكانابينويدات تسمح للعادات بالسيطرة لأنها تكبح دارة الأعمال الرامية إلى هدف. تشكّل الإندوكانابينويدات نوعاً من المواد الكيماوية ينتجه الإنسان والحيوانات الأخرى طبيعياً. وتتوافر مستقبلات هذه المواد في مختلف أرجاء الجسم والدماغ. كذلك يؤدي جهاز الإندوكانابينويدات دوراً في عدد من العمليات النفسية، بما فيها الشهية، الإحساس بالألم، المزاج، والذاكرة. ويساهم هذا الجهاز أيضاً في نقل تأثيرات القنب النفسية. القشرة المدارية في أعمال سابقة أنجزتها غريميل، كشفت أن القشرة المدارية الجبهية تشكّل منطقة مهمة من الدماغ تنقل المعلومات المرتبطة بالعمل الرامي إلى هدف. كذلك لاحظت غريميل وزملاؤها أنهم يستطيعون تعزيز الأعمال الرامية إلى أهداف بزيادة نشاط الخلايا العصبية في القشرة المدارية الجبهية بواسطة تقنيات علم البصريات الوراثي، التي تتيح لهم تشغيل الخلايا العصبية أو إيقاف عملها بومضات من الضوء. في المقابل، عندما حدوا من نشاط هذه المنطقة، معتمدين مقاربة كيماوية، عرقلوا الأعمال الرامية إلى أهداف، فلجأت الفئران إلى العادات بدلاً من ذلك. توضح غريميل: «تسيطر العادات عندما يهدأ النشاط في القشرة المدارية الجبهية». بما أن الباحثين يعرفون جيداً أن الإندوكانابينويدات تحدّ نشاط الخلايا العصبية عموماً، افترضوا في الدراسة الحالية أنها تهدئ النشاط في القشرة المدارية الجبهية أو تكبحه، فتحد بالتالي القدرة على الانتقال إلى العمل الرامي إلى هدف. وركّز هؤلاء الباحثون خصوصاً على الخلايا العصبية التي تنطلق من هذه القشرة إلى الجسم المخطط الظهري الأنسي. درّب الباحثون الفئران على عملية واحدة تقضي بالضغط على مقبض بغية الحصول على المكافأة عينها من الطعام. إلا أن الفئران وُزعت على بيئات مختلفة تدفعها على نحو واضح إلى تطوير العمل الرامي إلى هدف بدل الاعتماد على العمل المعتاد. وعلى غرار مَن لا يعانون اضطرابات عصبية نفسية، سهل على الفئران السليمة القيام بالعمل ذاته بالتنقل بين استراتيجية العمل الرامي إلى هدف وإستراتيجية العمل المعتاد. لنعد إلى المثال السابق عن الرجوع إلى المنزل. يمكننا أن ننتقل من السير تلقائياً إلى المنزل إلى السلوك الرامي إلى هدف عندما نحتاج إلى بلوغ وجهة مختلفة جديدة. أراد الباحثون اختبار فرضيتهم بشأن الدور الذي تؤديه الإندوكانابينويدات. حذفوا نوعاً محدَّداً من مستقبلات الإندوكانابينويدات، يُدعى كانابينويد من النمط الأول، من مسار القشرة المدارية الجبهية- الجسم المخطط، فلم تكتسب الفئران التي تفتقر إلى هذه المستقبلات العادات، ما أكّد بالتالي الدور البالغ الأهمية الذي تؤديه هذه المواد الكيماوية العصبية، فضلاً عن ذلك المسار المحدد. الوسواس القهري توضح غريميل: {من الضروري أن نتوصل إلى توازن بين الأعمال المعتادة والأعمال الرامية إلى هدف. في النشاطات اليومية، نحتاج إلى القيام بالأعمال الروتينية بسرعة وفاعلية. ولا شك في أن العادات تعود علينا بفائدة كبيرة في هذا المجال. لكننا نواجه أيضاً ظروفاً متبدّلة، ما يبرز حاجتنا إلى {التحرر من العادات} وأداء عمل يرمي إلى هدف استناداً إلى المعلومات الجديدة التي حصلنا عليها. وإن عجزنا عن ذلك، تكون العواقب وخيمة}. يؤكد معدّو الدراسة أن هذه الاكتشافات قد تشير إلى هدف علاجي جديد في حالة مَن يعانون الإدمان واضطرابات الوسواس القهري: بغية وقف الاعتماد المفرط على العادات واستعادة القدرة على الانتقال من العادات إلى عمل يرمي إلى هدف، قد يكون من الضروري معالجة جهاز الإندوكانابينويدات في الدماغ، ما يساهم بالتالي في الحد من سيطرة العادات على السلوك. قد يعتمد هذا العلاج على الأدوية أو العلاج السلوكي. لكننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من البحوث قبل التوصل إلى إنجاز مماثل.

مشاركة :