إليكم فكرة للعام الجديد: لنجعل من عام 2024 عامَ البهجة.. لكن هل يبدو ذلك سخيفاً، بالنظر إلى حالة العالم الآن؟ دعوني أشرح الفكرة. الفرضية الأساسية للشعور بالبهجة بسيطة: عليك أن تحرص على ملاحظة الأشياء التي تشعرك بالبهجة في حياتك اليومية. يمكن أن يكون هذا أي شيء؛ زهرة جميلة، أو ابتسامة تشاركها مع شخص غريب، أو مشهد شخص يعزف الموسيقى أثناء ركوب دراجة في أحد شوارع فيلادلفيا. وكلما لاحظتَ شيئاً يُسعدك، تَرفع ذراعك وترفع إصبعك السبابة في الهواء وتقول بصوت عالٍ وبحماس: «ابتهج!» (حتى ولو كنتَ بمفردك). من الناحية المثالية، يمكنك مشاركة أفراحك مع شخص آخر. قد يبدو مفهوم إعطاء الأولوية للشعور بالبهجة سخيفاً، أو غير مسؤول تقريباً، نظراً لثقل الأحداث الحالية، ومشاعر الإرهاق والانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، حيث يبدو أن الديمقراطية نفسها قد تكون على المحك. لكن هذا هو بالضبط سبب أهمية إعطاء أولوية للشعور بالبهجة. وبعيداً عن كونها ممارسة تافهة، فإن الحرص على ملاحظة ومشاركة الأشياء التي نجدها مبهجة يمكن أن يحسّن مزاجنا وتوقعاتنا وعلاقاتنا وحتى صحتنا الجسدية. كيف يحدث ذلك؟ إن ملاحظة الأمور التي تبعث على البهجة تتطلب منا الانتباه، وهو أمر مطلوب لتحقيق سعادتنا ورضانا، لكنه قد يكون صعباً في عالمنا المشتت بشكل متزايد. بالأساس، هذا شكل من أشكال ممارسة الامتنان، أي تنمية عادة ملاحظة وتقدير الأشياء التي تشعر بالامتنان لها. إن ممارسات الشعور بالامتنان شائعة لسبب وجيه، إذا جعلتَ منها عادة، فإن الفوائد العقلية والجسدية المرتبطة بها تشمل تقليل أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر وربما تحسين المؤشرات الحيوية لصحة القلب. لكن إذا واصلت ممارسة الشعور بالامتنان لفترة كافية، فقد تجد نفسك تعبر عن تقديرك لنفس الأشياء مراراً وتكراراً، من منطلق الشعور بالالتزام. أنت ممتن لأصدقائك وعائلتك. وأنت ممتن لأن لديك ما يكفي من الطعام. وأنت ممتن لوجود مكان للعيش فيه. وفي نهاية المطاف، يمكن أن تصبح هذه الممارسة تبدو وكأنها عمل مضجر. وفي المقابل، فإن ممارسة الشعور بالبهجة تستغل القوة العميقة للامتنان دون المخاطرة بأن تصبح مبتذلة. وذلك لأن الأشياء التي تسعدنا غالباً ما تكون جديدة. إن الشعور بالبهجة ومشاركتها هو أيضاً شكل من أشكال ما يسميه علماء النفس «التذوق»، أي ممارسة تقدير تجارب الحياة الإيجابية بشكل متعمد. لقد ثبت أن التذوق يعزز الحالة المزاجية للناس ويوازن الميل الطبيعي لأدمغتنا للتركيز على الأشياء التي تثير القلق والخوف. كما أن التكيف مع الضغوطات التي قد تشكل تهديداً مفيداً من منظور تطوري، حيث يتطلب الأمر جهداً لتركيز أدمغتنا على الإيجابيات. وعلاوة على ذلك، فإن تأثيرات التذوق تكون أقوى إذا حرصت ليس فقط على ملاحظة الأشياء الإيجابية، بل أيضاً على تصنيفها ومشاركتها. وربما يكون هذا هو الجزء المفضل لدي من هذه الممارسة: مشاركة المسرات مع الآخرين. أبدأ اجتماعاً أو فصلا دراسياً بدعوة الأشخاص لمشاركة شيء واحد أسعدهم في ذلك اليوم. استخدم مشاركة البهجة كوسيلة لكسر الجمود أو كطقوس قبل الوجبات العائلية. لدي العديد من الدردشات الجماعية المبهجة، وكل رسالة جديدة تعزز مزاجي، وتجعلني أشعر بأنني أكثر ارتباطاً بالآخرين، وتلهمني لمشاركة المزيد من الأمور المبهجة. وعلى سبيل المثال، أرسل لي أحد الأصدقاء ذات مرة صورةً لبلورات الصقيع على الزجاج الأمامي لسيارته، مع كتابة كلمة «بهجة!». لم يجعلني هذا أشعر بالقرب منه فحسب، بل جعلني أيضاً مصممة على محاولة العثور على المتعة في المواقف التي قد تكون مزعجة. لحظات الاتصال هذه مفيدة لصحتنا الجسدية. وكما أشارت النصيحة الأخيرة التي أصدرها الجراح العام للولايات المتحدة «فيفيك مورثي» بشأن وباء الوحدة في البلاد، فإن الافتقار إلى الروابط الاجتماعية يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، والضعف الإدراكي، والاكتئاب، والقلق، والسكري من النوع الثاني، والقابلية للإصابة بالأمراض المعدية. وقد خلص أحد التحليلات التي تحظى بتقدير كبير إلى أن المخاطر الصحية الناجمة عن الوحدة والعزلة يمكن مقارنتها بتلك الناجمة عن تدخين ما يصل إلى 15 سيجارة يومياً. وهذا يجعلني أتساءل: ماذا يمكن أن يحدث إذا التزمنا، كأفراد وكمجتمعات، بممارسة البهجة؟ وكيف سيؤثر ذلك على سعادتنا وصحتنا؟ وما الذي يمكن أن يفعله المناخ السياسي في البلاد إذا أولينا اهتماماً أقل للأشياء التي تفرِّقنا واهتماماً أكبر بالأشياء التي تثير البهجة؟ من الممكن أن نختلف مع الناس، ونعترف بتحديات الحياة، ونتحاور، ونجلس بحزن وأسى وخوف، بينما نتعجب ونبحث عن أفراح بسيطة. سيكون هذا العام، مثله مثل كل الأعوام، مليئاً بالصراعات والمآسي. لكنه أيضاً سيكون مليئاً بالمسرات. قرر أن تلاحظ الأمور التي تبعث على البهجة. كاثرين برايس كاتبة تعد نشرة «كيف تشعر بالحياة» لصحيفة «نيويورك تايمز» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
مشاركة :