عشر سنوات على «حرب تمّوز»... المستمرّة - مقالات

  • 7/12/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تمر هذه الايّام الذكرى العاشرة على الحرب التي افتعلها «حزب الله» في 12 يوليو - تموز 2006 من اجل تمكين إسرائيل من تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية والتغطية في الوقت ذاته على عملية وضع اليد الايرانية على البلد بشكل تدريجي. الى الآن، لا يزال الحزب يعتبر انّه حقّق «انتصارا الهيا» على إسرائيل في حرب انتهت عمليا بانتصاره على لبنان واللبنانيين. هل يتكرّس هذا الانتصار، ام لا يزال هناك من هو مستعد للوقوف في وجه أطماع الحزب التي هي تعبير عن مشروع توسّعي إيراني يتلطى بالمذهبية، علما انّه في اساسه مشروع عنصري متكامل ليس الّا. يكفي للتأكّد من هذا الانتصار الذي حقّقه «حزب الله» على لبنان الوضع الاقتصادي المتدهور في البلد من جهة وغياب رئيس الجمهورية من جهة أخرى. يحصل ذلك في وقت يظهر يوميا ان المطلوب تغيير النظام في لبنان والانتهاء من اتفاق الطائف الذي في أساسه المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. تعني هذه المناصفة وجود توازن، على الصعيد الوطني، يحفظ حقوق كلّ الطوائف في ظلّ لامركزية موسّعة. ما زال لبنان ينتظر من يقدم على خطوة أولى في اتجاه تطبيق هذه اللامركزية التي تساعد، الى حدّ ما طبعا، في إزالة ورقة الابتزاز التي يمارسها «حزب الله» بواسطة سلاحه، مع آخرين غيره، عبر مجلس الوزراء ومؤسسات الدولة المختلفة. كانت «حرب يوليو» نقطة تحول على الصعيد اللبناني. اثبتت الحرب ان الامر لا يتعلق بمعركة واحدة يصدّ فيها اللبنانيون عدوهم، كما حدث عندما اخرجوا القوّات السورية من لبنان اثر تظاهرة 14 مارس 2005. الحرب على البلد مستمرّة وستتخللها معارك اخرى في ظل الإصرار الايراني على وضع بيروت تحت الوصاية التامة لطهران، تماما كما حال بغداد ودمشق حاليا وكما كاد ان يكون وضع صنعاء لولا «عاصفة الحزم». لم يكن كافيا التخلّص من رفيق الحريري، بتفجير موكبه، في 14 فبراير 2005، كي يستسلم لبنان نهائيا ويرضخ للامر الواقع. كلّما زادت مقاومة اللبنانيين للوصاية الجديدة عليهم التي يسعى «حزب الله» الى فرضها عليهم لمصلحة ايران، زاد حجم الحملة على الوطن الصغير. بعد «ثورة الأرز»، التي لم يكن يتوقّعها منفذو جريمة اغتيال الحريري ورفاقه والمشاركون فيها من قريب او بعيد، كان لا بدّ من حروب أخرى على لبنان وعلى اللبنانيين كي يقتنعوا بانّ ليس من حقهم رفع رؤوسهم. عليهم ان يكونوا مثل ذلك القطيع الذي يؤمن بشعارات لا علاقة لها بالواقع من نوع شعار «الشعب والجيش والمقاومة» او «المقاومة والممانعة». ممنوع على اللبناني ان يطرح أسئلة مهما كانت بسيطة وبديهية، بما في ذلك سؤال يمكن ان يطرحه اب او ام عن سبب موت شاب لبناني شيعي في سوريا دفاعا عن نظام بشّار الأسد الذي تشارك ابنته في مباريات في الفروسية تقام في طهران! لم يكن ردّ فعل «حزب الله» بعد «حرب تمّوز» مستغربا. نسي الحزب فجأة من وقف مع لبنان وساعد في إعادة بناء ما تهدم. نسي الدور السعودي عن سابق تصوّر وتصميم. نسي الظروف التي أدت الى وقف الحرب والجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة. نسي ان اعلان انتصاره في تلك الحرب لم يكن سوى رفع لعلامة النصر فوق ما اعتبر انّه جثة اسمها لبنان. نسي ان الانتصار على لبنان شيء وان الانتصار على اسرائيل شيء آخر... اللهمّ الّا اذا كان المطلوب ان يهاجم بشّار الأسد الحكام العرب ويصفهم بـ«انصاف الرجال» مكافأة لهم على الدعم الذي تلقته سوريا وايقافها على رجليها منذ احتكار والده للسلطة في العام 1970 من القرن الماضي. الأكيد ان اسرائيل لم تكن تمانع في رفع الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصرالله علامة النصر، ما دامت حققت في نهاية المطاف جزءا من أهدافها وذلك بصدور القرار الرقم 1701 عن مجلس الامن. يستجيب هذا القرار لبعض مطالبها، خصوصا انهّا لم تكن تمانع في الماضي الوجود المسلّح غير الشرعي في جنوب لبنان... على حساب الجيش اللبناني. لم تكن تمانع في ذلك بغض النظر عن طبيعة هذا السلاح، اكان فلسطينيا او إيرانيا موجودا في ايد لبنانية. لكنّ استخدام «حزب الله» الصواريخ التي استهدفت «حيفا وما بعد حيفا» جعل اسرائيل تعيد النظر في حساباتها القائمة على إبقاء جبهة الجنوب اللبناني جرحا ينزف، كما يريد النظامان في سوريا وايران لمتابعة المتاجرة بلبنان واللبنانيين. السؤال الذي بات مطروحا الآن، الى متى ستبقي إسرائيل عن الوضع القائم الذي سمح باطول فترة هدوء على طول خط الهدنة بينها وبين لبنان منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. منذ انتصاره على لبنان في حرب صيف 2006، امعن «حزب الله» في اذلال اللبنانيين بكلّ الوسائل المتاحة بدءا بالاعتصام في وسط بيروت لضرب الحياة الاقتصادية في البلد وتهجير اكبر عدد ممكن من شبابه وصولا الى الوضع الراهن، مرورا بالطبع بغزوة بيروت والجبل في مايو 2008. لا تعبّر عن الوضع الراهن ازمة اقتصادية لم يعرف البلد مثيلا لها في الماضي فحسب، بل هناك فراغ رئاسي وعزلة عربية للبنان أيضا. بدل ان يكون لبنان في وضع يحسد عليه حاليا بفضل تدفق العرب والاجانب على مرافقه السياحية، حرص «حزب الله» ومن خلفه ايران على منع أي عربي، خصوصا اذا كان خليجيا من السياحة في البلد او الاستثمار فيه. اكثر من ذلك، يصرّ الحزب على خوض معارك في سورية والمشاركة في الحرب التي يشنّها النظام العلوي على السوريين تحت غطاء روسي ـ إسرائيلي جاء نتيجة تفاهمات في العمق بين الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. يفعل «حزب الله» كلّ ذلك إرضاء لإيران في حين ان على لبنان المعاناة من الامرّين. تأتي الذكرى العاشرة لـ «حرب تمّوز» في وقت تغيّرت المنطقة كلّيا. سورية التي عرفناها لم تعد موجودة، كذلك العراق، في حين طبّعت تركيا علاقاتها بكلّ من إسرائيل وروسيا، فيما صارت قضية فلسطين شبه منسيّة. ما لم يتغيّر هو الحرب المستمرّة على لبنان. يبقى افقار اللبنانيين وتهجيرهم كما يحصل الآن، تابع لـ «حرب تموز» التي هي بدورها تابع لاغتيال رفيق الحريري وللجرائم التي تلت والتي استهدفت تغطية تلك الجريمة. الى متى يبقى لبنان «ساحة» لمشروع توسعي لا علاقة له به من قريب او بعيد وضحيّة لهذا المشروع الذي لا افق له سوى تدمير الدول والمجتمعات العربية ولا شيء آخر غير ذلك؟

مشاركة :