الأخبار لا فكر لها. كاميرا سطحية أو ماسحة ضوئية. من لا يخضعها حين تمر للأشعة السينية، يقع في السطحية التي توقعه في الفخاخ الحتمية. شيء شبيه بطرفة العامل الذي كان يخرج كل يوم في نهاية العمل من الورشة بعربة مملوءة تراباً، فيسأله الحارس: ما هذا؟ فيقول: تراب كما ترى، فيتركه يمر. بعد أيام قال له الحارس: ما هذا الغباء؟ ماذا تفعل بكل هذا التراب؟ فأجاب ساخراً: أنت الغبي، فأنا في كل يوم أسرق عربة. الأخبار هكذا. في كل يوم: خمسون قتيلاً، مئة جريح وقائمة خسائر مادية. لا يرى الناس غير ذلك، وهكذا يفرحون للانتصارات أو يترحون للهزائم. يغشي أبصارهم ذر الرماد في العيون فلا يرون حقيقة الدمار اللامنظور. يتوهمون أن الحرب اندلعت يوم انطلقت الرصاصة الأولى، قبل خمس سنوات أو عشر، ومصادر الأخبار تشهد على ذلك. الحرب الحقيقية شرارتها الأولى في بداية تفشي الأمية، من دون قادر على رد اجتياحها. أليست الأمية أخت الإرهاب؟ هي الجسر الذي يسهل تنفيذ الخطط. بالأمية يوأد التعليم المتطور المتجدد، وهذا الوأد يودي بفرص البحث العلمي والعقول المبدعة، ويستشري التخلف. أليس التخلف مزرعة الإرهاب؟ لماذا نرى الإرهاب دخيلاً على الدول المتقدمة؟ قل إن شئت على طريقة كليلة ودمنة، إن ابن آوى ينصح ملك الغاب أحياناً بجرح نفسه لتبرير الانقضاض. هل تذكر متى بدأ عالمنا العربي يتحدث عن التنمية، ولم يعرف في أغلبية الديار العربية، غير الاقتصادات المنهارة، ونمو البطالة والتهميش والتصحر وعجز الميزانيات، والتخطيط الوهمي والفجوات الغذائية، وهجرة العقول، واستشراء الفساد المالي والإداري؟ تلك كانت بدايات حروب أخرى. أليس ذلك تهيئة لأوضاع تحتضن الإرهاب؟ وهل تذكر متى انطلقت عربة انحراف الفنون وانجراف التربة الثقافية؟ أليس ذلك حرباً على روح الأوطان، وقتلاً لطموح ذوقها العام؟ هذه المآسي لا توردها الأخبار في قائمة الخسائر المادية، في حين أن الطموح والإرادة والذوق العام، هي التي تشق الطريق وتمهده وتعبده لكل إبداع علمي واقتصادي وثقافي. ألم تكن للعالم العربي أفكار نهضوية رائدة قبل الحرب العالمية الثانية؟ كيف أصابتها الهشاشة فنُخرت عظام الإرادة العامة، وتتالت الهزائم المادية والمعنوية، وتآكل العالم العربي بأنيابه وأضراسه؟ لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: مشكلتنا في كان. من تشاءم من مصير خبر كان، خاف أن تلتصق به كان الاستمرارية. هل يخترع لنا اللغويون كان التقدمية التجديدية؟ عبد اللطيف الزبيدي abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :