كم من الحقوق التي أهدرت قبل سنوات قليلة فقط، عندما لم يكن قضاء التنفيذ حقيقةً قائمةً، وإجراءً نافذًا، وسبيلاً لتحصيل الحقوق واضحًا؟ هل كنَّا في حاجة للانتظار سنوات طويلة، بل وعقودًا عديدة ليأتي اليوم الذي يطمئن فيه صاحب الحق إلى استيفاء حقّه في أرض الواقع، وليس على صفحات الوثائق؟! لا زلتُ أذكر حقًّا مؤيَّدًا بصكٍّ شرعيٍّ لأستاذنا الكبير محمد صلاح الدين -رحمه الله- قدره مليون ريال، لكنَّه لم يُنفَّذ حتَّى وفاته، مع أنَّه طرق أكثر من باب ليجبر الطرف الآخر (مقتدر ثري) على الدفع دون جدوى. صحيح أنَّ البنية التحتيَّة الإلكترونيَّة ساعدت كثيرًا اليوم على إنفاذ ما يقرِّره قضاء التنفيذ، لكن ذلك لا يعذرنا أمام أصحاب الحقوق الضائعة، فلقد كان بالإمكان استغلال وسائل ضغط كثيرة، منها على سبيل المثال المنع من السفر، وحجز راتب الموظف، والتهديد بإلقاء القبض عليه في أول فرصة. اليوم -ولله الحمد- نعيش نقلة نوعيَّة في أحد أهم ميادين إقامة العدل في الأرض. وحسب تصريح وكيل وزارة العدل لشؤون الحجز والتنفيذ، فقد تمَّ استرجاع أكثر من 160 مليار من الحقوق منذ بدء نظام محاكم التنفيذ على مستوى المملكة، وقد تمَّ ذلك عبر قرابة 154 ألف طلب حجز، وخلال هذا العام فقط (أي خلال 9 أشهر) تجاوز عدد طلبات الحجز 97 ألفًا (المدينة 16 يونيو). ونشرت المدينة (16 مايو) أيضًا خبرًا مفاده أن محكمة التنفيذ بجدة أفرغت 30 فيلا بقيمة تتجاوز 60 مليون ريال لتسديد حقوق طالبي التنفيذ ضد خصمهم المماطل، الذي أخذ حقوقهم، ورفض إعادتها. الشاهد أن هناك دائمًا فضاءات واسعة للحلول العمليَّة، لكنها تتطلَّب أولاً إرادة قويَّة، كما تتطلَّب عقولاً متفتحة واعية، لا صناديق تقليديَّة مغلقة. الأمر الآخر هو عن مدى إمكانيَّة تنفيذ الآليَّة نفسها ضد العابثين بأمننا المروري مثلاً! نريد أفكارًا جديدة تتجاوز الغرامات الماليَّة، إلى عقوبات مشددة مغلَّظة مثل الحبس، والجلد، ومصادرة المركبة، وحظر السفر، والمنع من القيادة! ونريد كذلك آلاف الكاميرات المروريَّة لتغطي كل زاوية يُمارس فيها العبث والاستهتار. إن الله ليزع بالسلطان... salem_sahab@hotmail.com
مشاركة :