المال يشتري السعادة

  • 7/14/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عند عودتي من الرحلة وجدتُ حفصة في انتظاري، سعدت بوجودها جدا، كنت في حاجة لمشاطرة قصة آمال معها، في سكن المضيفات تجد الأسرار متداولة مثل أسهم البورصة، كل سهم (قصة) تتم مداولتها بين الفتيات باهتمام مبالغ فيه في بدايتها ثم تهدأ فيقل سريانها بين ألسنة الفتيات حتى تظهر قصة جديدة ، ثم تعود تلك القصة للحياة مرة أخرى بعد إضافة بعض النكهات عليها لمزيد من التشويق وأحيانا تلك الإضافات تغير مجرى القصة تماماً وهكذا هي الحياة في العموم، نهتم بشيء ما اهتماما كبيرا حتى نحصل عليه أو نجد شيئا أخر نهتم به وبذلك يفقد أي شيء وكل شيء قيمته مع الوقت. اقترحت عليَ حفصة الذهاب معها إلى مقهى الإنترنت، نعم كنا نستخدم الكمبيوتر في مقهى عام، كنتُ لا أعلم الكثير عن هذا العالم الإلكتروني العجيب الذي نجوب في بحوره الأن وننهل منه دون شبع، كانت فرصة كبيرة لي لتعلمني حفصة كيفية فتح حساب خاص على الهوت ميل، و كيف أراسل أهلي عن طريق الإيميل وغيره من استخدامات واستكشافات، كنت شغوفه به جدا لدرجة أنني لم أفارق المقهى في أيام إجازاتي المملة، كانت حفصة مختلفة عن الفتيات المغربيات حتى في أحلامها، فمعظهن يأتين للخليج على أمل اصطياد عريس خليجي يغمرها بماله، ولكن حفصة كان هدفها الهجرة لكندا واستكمال دراستها هناك وكان عليها توفير مبلغ كبير من المال حتى يتسنى لها الحصول على الموافقة. نحاول دائما أن نجمل حقيقة أن المال يحقق لنا أحلامنا، بترديد حكم غريبة مثل "المال لا يشتري السعادة"، لا أعلم لمذا نحاول طمس الحقيقة، الأفضل أن نكون صادقين مع أنفسنا، طالما المال يحقق لنا الكثير من أحلامنا، إذا المال يشتري السعادة يا سادة. في المساء تركتني حفصة وذهبت لمنزلها وبقيتُ جالسة أطالع من الشرفة الفتيات يتراقصن بالحديقة على نغمات موسيقى الراي، وجدت 3 فتيات مصريات يقفن أمام بوابة السكن، وصوت ضحكاتهن تعبئ المكان، كن مضيفات أقدم مني وجئن لمعاينة السكن ومقارنته بسكنهن، هكذا تقحمن السيدات أنفسهن في حياة الأخريات.. إنه الفضول الذي يدفعنا للإحساس بعدم الرضا طيلة الوقت، تلك المقارنات اللانهائية التي تجعل القلب يستعر من الغيرة وتسبب شقاء الكثيرين. سعدت بوجود الفتيات رغم عدم معرفتي بهن، ولكني كنت في حاجة للشعور بالصحبة، الغربة ترغمنا على تقبل اُناس لم نكن حتى نفكر في التعرف عليهم في ظروف مختلفة، الآن ايقنت أنه من الأفضل عدم الاقتراب من الناس أكثر من اللازم حتى لا نكتشف مدى بشاعتهم. تلك الإجازة كانت فرصة لي للتعرف على هؤلاء الفتيات والتنزه معهن قليلا، ذهبنا لذلك المكان الجميل الذي يحتل مساحة كبيرة على الكورنيش والذي أصبح مكاني المفضل لاحقا، هناك تعرفت على أحد زملائنا "حسين" صاحب العيون الخضراء، كان وسيما، ولكن كان بخيلا بشكل مرضي، دائم البحث عن فتاة يمطرها حبا ليسلبها مالها دون هوادة، ثم بعد أن ينكشف أمره يبحث عن أخرى، حدثتني عنه الفتيات عندما لمحناه جالسا، قالت لي إحداهن أحذريه فهو مولع بالمصريات وأنت الجديدة بيننا، وسوف يرمي شباكه عليك؛ ليخرج بمرتبك وعليه قُبلة، اتضح لي أن كثيراً من زملائنا العرب قاموا بنفس اللعبة لاستغلال الفتيات الساذجات، فمنهم من أرغم صاحبته على الاقتراض لدعمه بالمال وتنتهي القصة بهروبه وتركها غارقة في ديونها تسدد ثمن غبائها. للأسف هذا منهج الكثير ممن يلقبونهم رجالا، لا أعلم أين الرجولة في استغلال امرأة محبه ضعيفة!! انتهت الإجازة كلمح البصر، ونظرا لأنها إجازة طارئة فتم وضعى ( STANDBY) ، وهذا يعني أنه يتم طلبي للرحلة في حالة غياب أحد الزملاء عن رحلته، ويعني أيضا عدم قدرتي على الخروج في تلك الساعات المحددة؛ حيث يجب أن ألتزم البقاء بالمنزل مستعدة في أي لحظة قد يتصلوا بي، ظليت يومين آخرين في المنزل، لم يتغيب أحد عن رحلته، ولم أتغيب أنا عن المنزل. بالقرب من السكن وجدت صالون تجميل "كوافير" تملكه سيدة مصرية، سعدت بالتعرف عليها وسعدت أكثر بقرب محلها من منزلي، من نعم الدنيا وجود صالون تجميل قريب من المنزل، نعمة تقدرها الفتيات كثيراً، كانت هي الأخرى تبحث عن معارف تملأ بهم صالونها وحياتها أيضاً ، شعرت أن لديها قصة ما خاصة عندما وجدت ابنتها الجميلة جالسة منزوية في المحل، التي أرغمتها على التعرف علينا، وكأنها تحاول أن تدعم ابنتها بصداقات جديدة تنسيها واقعا غير سعيد، علمت لاحقا أن والديها منفصلان، إنها لعنة زواج الصفقات التي تنتهي بانفصال وحطام أطفال. لماذا يسعى الناس لإنجاب أطفال وهم في غاية التعاسة أليس كافيا أنهم تعساء! لماذ يظلمون معهم طفلاً بريئاً!.... أليست هذه قمة الأنانية؟! في نهاية اليوم تلقيت تليفونا من المكتب أخبروني بتعديل جدول رحلاتي وأن علي الاستعداد للذهاب إلى لندن فجر اليوم التالي، يا إلهي أخيرا سأزور بريطانيا العظمى، بدأت في تحضير حقيبتي، وضعت تيشرت وبنطلونا وحذاء رياضيا استعدادا لأن أجوب شوارع لندن بلا هوادة، لم أنس أن أحمل معي جاكيت، لقد أخبرتني حفصة أن جو لندن مجنون وأنه في لحظة قد تتحول أشعة الشمس الساطعة إلى غيوم محملة بدموع الأحبة. دائما أرى أن المطر هو دموع الأحبة المحملة بدعواتهم الصادقة، لعل هذا سبب حبي للسير تحت المطر. غدا رحلتي التي أعتبرها الأولى، أليس من الرائع ان نرى كل يوم بداية جديدة؟! (يُتبع) ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :