مِنْ أحاديث ما قبل الخريف العربي - عبدالله بن عبدالرحمن الزيد

  • 1/31/2014
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

ما حَدَثَ للوطن الجميل لبنان من الاعتداء الصهيوني الحاقد لم يضف إلينا – ويالَلأَسَف – شيئاً جديداً، وإنما ذَكْرنا – فقط – ونَبّهنا إلى كثير من الصفات السلبية وفي مقدمتها: أننا (الأمة العربية) أمة النّسيان والانشغال فيما بيننا وإزاء بعضنا!! ومن أجل أَنْ تتجسد هذه المحصلة لنتأمل هذه الفقرات من تاريخنا القريب جداً: - في الحرب الخليجية الأولى (إيران والعراق) نسينا قضيتنا الأولى قضية فلسطين. -جاءت كارثة الخليج (العراق والكويت) فزادتنا دماراً وشَرْذَمَتْ ما تَبَقَّى فينا من الصلات والأواصر، وأَنْسَتْنا الحربَ الأولى وآثارَهَا، وقضت على أيّ ذكرى لقضيتنا الأم قضية فلسطين.. -ثم جاءت كارثة احتلال (العراق) وتدميره، فأنْستنا وبشكل مرعب ما يحدث في فلسطين من إبادة وقتل وتدمير، واستمتع العدو الصهيوني بغطاء لم يكن يحلم به ليغتال الرموز والقيادات، ويوغل في صنوف الإجرام!! - في الكارثة الأخيرة كارثة اغتيال لبنان وتدميره نسينا ما سبقها، نسينا العراق الذي تحوَّل إلى أنهار من الدماء وإلى أخاديد من التفجير والتقويض والنّسف والإحراق، ومعه لم نعد نستحضر ما يحدث يومياً في فلسطين المنكوبة من اعتداءات وانتهاكات تقع على البشر والأرض والشجر وكلِّ أشكال الحياة في أرضنا العربية هذا ما يتعلق بالنسيان.. أما ما يتعلق بالانشغال فله جانبان: الأول: انشغال بالحدث نفسه عن غيره مما لا يَقِلُّ عنه من الأحداث، بحيث يفتقد الحدث السابق أهميته ووجوده وحضوره في جدول العِنَاية والرعاية.. والآخر: انشغال ذاتي بحت، حيث ينشغل كل قطر بما في داخله من شؤونه، وتَنْشَغِلُ الدولةُ بأحداثها ومناسباتها عما يحصل ويحدث في الأقطار والدول العربية الأخرى.. وإذا كان جانب الانشغال الأول صفة تكوينية بحتة فإن الجانب الآخر من الانشغال جانب استعماري يجيء نتيجةً طَبَعيّة لشَرْذَمَةِ الوطنِ العربي الكبير وتقسيمه إلى دويلات وأقطار لا يمكن أن تتصل ببعضها، أو تقابل بعضها إلاّ عن طريق القنوات الرسمية والجوازات وتأشيرات الدخول..!! ومَنْ أراد الدليل الذي لا يقبلُ المفاصلة فَلْيتذكَّرْ حال الفضائيات العربية خلال الاعتداء الصهيوني القذر على لبنان، وكيف كانت سادرة ليس – فقط – في برامجها المعتادة، وإنما في بث فقرات أقل ما يمكن أَنْ توصف به: انعدام الإحساس وقلة الحياء!! على أَنّ ذلك ليس شيئاً جديداً، أو خاصاً بالحالة اللبنانية، فالذي حَدَثَ في فلسطين منذ ما يقارب قرناً من الزمان، وما حدث في العقود الأخيرة في الخليج وفي العراق دليلٌ وبُرْهان على أننا نجيد النسيان ونَحْتَرِفُ الانشغال بشكلٍ لا يُشْبِهُنا فيه أحدٌ من العالَمين.. ومن بعد هذا كلّه، وبرغم ذلك كلّه، لا أخجل ولا أستنكف أَنْ أَتَساءل بكُلّ حُرْقَةِ بني البشر، وبقهر العالم كله: هل هُناك مِنْ أملٍ في أَنْ نَنْتصر على سِيَاقاتِنا الميتة، وأَنْ نَتَحَرَّر من صفاتنا غير الإنسانية التي عندما نتأملها يسكُننا رعبُ الدنيا، ونَشْعُر بمقْت الوُجُود؟؛ لأننا لحظتها لا نرى ولا نستجلى سوى طريق واحد يَتَلقَّفُنا بجدارة، طريق الفَنَاء والانقراض، وكما هو ثابت وحاصل ومعروف: إنّه طريق الذين لا يستحقون الحياة. وكما أشعر الآن وبيقين بصوت يقول لي: إنّك تطرح أُمُوراً صلعاء وتناقش قضاياً ميتة لا نبض فيها.. كذلك يخامرني استكناهٌ مكتوبٌ في بدايته: (ما بين غمضةِ عينٍ وانتباهتها يُغَيّر اللهُ مِنْ حالٍ إلى حالِ).

مشاركة :