«ماتشو بيتشو».. العمارة تكتب حكاية حضارة «الإنكا»

  • 7/16/2016
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: غيث خوري تعدّ حضارة الإنكا من أهم الحضارات القديمة التي ازدهرت في منطقة الأنديز في أمريكا الجنوبية، والتي يشكل تراثها وإرثها العمراني والفني أحد أجمل وأهم المواقع الأثرية لحضارات اندثرت ولم تعد موجودة، وكانت حضارة الإنكا من أكبر الإمبراطوريات في أمريكا الجنوبية إلى أن اضمحلت واختفت تدريجياً بفعل الاحتلال الإسباني للمنطقة عام 1532م، الذي قضى على جزء كبير من التراث الثقافي الإنكي. كان الإنكيون يسمّون إمبراطوريتهم تاوانتنسويو التي تعني بلغتهم الكيتشوية الأصلية أرض المناطق الأربع، وكانت تلك الإمبراطورية تمتدّ من الحدود الكولومبية الإكوادورية حالياً، حتى أواسط تشيلي، ومن المحيط الهادي حتى مرتفعات الأنديز. وكانت هذه المنطقة تضمّ فعلياً كل أنماط البيئة، ابتداء من أشد الصحاري جفافاً إلى الغابات الاستوائية الرطبة، ومن مستوى البحر على أعلى من مستواه ب 7000 متر. لا شك أن أهم ما تركته هذه الحضارة، هي الأثر العمراني الذي اشتهر به الإنكيون، بوصفهم بناة صخور بارعين، تمكنوا من تشييد بنايات من صخور ضخمة يرصفونها مع بعضها بدقة لا تدع مجالاً لتمرير نصل سكين بين شقوقها، كما أن هناك أعمالاً هندسية بارعة تشكل جزءاً من تراث الإنكا، ومنها مقدرتهم على إقامة نظم انتشارية للحقول الزراعية التي تشبه سلالم تصعد على أكتاف الجبال، ممّا يسمح بإنتاج كميات هائلة من الغذاء، وشقّ الإنكيون قنوات ري طويلة؛ ليضمنوا توافر مياه تكفي محاصيلهم. كان الإنكيون مهندسين مهرة، كما يبرهن الكثير من مبانيهم ليس لأن هذه المباني ما تزال قائمة بعد انقضاء 500 عام في أكثر مناطق العالم نشاطاً بركانياً وزلزالياً، بل إن نظم الري التي أنشؤوها بقيت عاملة، ولا زالت مصاطبهم الزراعية تروي حقول الذرة والبطاطا ومزروعات أخرى. من الروائع الهندسية الشاهدة على إبداع الإنكيين، موقع أو مدينة ماتشو بيتشو أحد أجمل المواقع الأثرية العالمية دون شك، والشاهدة على الإبداع الإنساني في أصعب الظروف البيئية. يقول مايكل أ. مالباس أستاذ الأنثروبولوجيا في كتابه عصر الإنكا: ماتشو بيتشو هذا الاسم يستحضر رؤى عن جدران حجرية قديمة مبنية من صخور موضوعة بإحكام على طول سلسلة روابٍ يغمرها الضباب فوق نهر أورومبا. وهذا الموقع أحد أكثر المواقع الأثرية إثارة للإعجاب في العالم، لذا فهو ليس موقعاً أركيولوجياً تراثياً عالمياً فحسب، بل سمي أحد عجائب العالم السبع الجديدة في العالم في 2007. جزء من الاهتمام بماتشو بيتشو هو موقعها الجغرافي المثير، بيد أن الجزء الآخر هو الغموض الذي يكتنف غرض الإنكيين من ورائها. فعلى خلاف غيرها من المواقع في الإكوادور، لا تتوفر وثائق إسبانية تشير إلى هذا الموقع، ويبدو أن الإسبان الأوائل لم يعرفوه قط. فقد أهملت ماتشو بيتشو وهجرت نتيجة للاحتلال الإسباني، لتغطيها الغابات التي نمت على مدى 350 سنة اللاحقة، ففي حين كان المزارعون المحليون على دراية بالتأكيد ببقائها، إلا أنها بقيت ضائعة عن أهل العالم الحديث حتى العام 1911، حيث قام باكتشافها هيرام بينغهام وهو أستاذ تاريخ ومستكشف في جامعة ييل. تقع ماتشو بيتشو في كوزكو في البيرو، عند نهاية سلسلة جبلية طويلة تنحدر من جبل سالكانتي، وهو أحد أعلى قمتين في المنطقة، وأحد أكثر الجبال قداسة لدى السكان المحليين. يقوم الموقع على مرتفع بين قمتين عاليتين على طول هذه المرتفعات، ماتشو بيتشو إلى الجنوب وويانا بيتشو إلى الشمال، ويشق نهر أورومبا طريقه ملتوياً حول الموقع من ثلاثة جوانب. وتقع هذه المدينة على ارتفاع 8000 قدم فوق مستوى سطح البحر، وفي منطقة غابات جبال عالية. يعرف هذا الموقع بكونه منطقة مسكن للنخبة من المجتمع الإنكي في تلك الفترة، إلا أنه يضم أيضاً حضوراً كبيراً للأماكن المقدسة، ويعتقد أن 30 مبنى من المرافق البالغ عددها 127 مبنى في الموقع لها وظائف دينية، ومنها معبد الشمس في الجزء الجنوبي من الموقع، وبالقرب من مقر إقامة الملك فوق كهف صغير، وإلى الغرب من مقر الإقامة الملكي نجد الميدان المقدس، الذي يشتمل على ما يسمى بالمعبد الرئيس ومعبد النوافذ الثلاث، ويلفت المعبد الرئيس النظر؛ لضخامة حجم الكتل التي استعملت في بنائه والمذبح المهيب في وسطه. لقد شيد الإنكيون في ماتشو بيتشو 172 مبنى على 21 فداناً، وهي الجزء الرئيسي من الموقع على أساسات عميقة من شرائح الصخور، مع 129 مصرفاً لإبعاد مياه الأمطار عن المنطقة الرئيسية، وحوالي 60 بالمئة من أعمال البناء ترتكز على أساسات المصاطب، وكان هذا الجهد الهائل هو الذي جعل المباني تظل قائمة بعد مضي ما يزيد على 500 عام.

مشاركة :