على الرغم من كل الأزمات التي تواجهها اميركا في الشرق الأوسط، الا ان إدارة (الرئيس الأميركي، باراك اوباما) ظلت تشعر بالارتياح لحقيقة أن هناك شخصاً واحداً يمكنها الاعتماد عليه، وهذا الشخص هو رجل تركيا القوي، المنتخب ديمقراطياً، رجب طيب اردوغان. الساعات الـ48 المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت المحاولة الانقلابية ستكون لها تداعيات دائمة. صفقة يعتري الأوروبيين الكثير من القلق بشأن بقائه في السلطة، فقبل بضعة أشهر أبرمت أوروبا صفقة مع أردوغان، دفعت لتركيا بموجبها أكثر من ستة مليارات دولار أميركي تتمثل في عدم السماح للمهاجرين السوريين بالتدفق إلى أوروبا الغربية، حيث يعتقد العديد من الدول الأوروبية أن أزمة المهاجرين هي، أكثر من أي شيء آخر، التي أدت إلى قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأن الفشل في وقف هذا التدفق قد يؤدي إلى تفكك أوروبا، وهو القلق الذي يشاركهم فيه المسؤولون الأميركيون، بقيادة وزير الخارجية، جون كيري. بيد أن هذا اليقين قد تزعزع إثر المحاولة الانقلابية ضد أردوغان، إذ كان المسؤولون الأميركيون يعتقدون، حتى منتصف نهار الجمعة، أن أردوغان استطاع قبل ثلاث سنوات أن يعيد الأمور الى نصابها في بلاده، وأن يطهر القضاء؛ ويسجن كبار قادة الجيش ويتخذ إجراءات صارمة ضد المعارضة ووسائل الإعلام. وكما ذكر دبلوماسي أميركي رفيع المستوى، مساء الجمعة، لم يكن جميع المسؤولين في البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، في ذلك اليوم، يتوقعون أن يلجأ أردوغان إلى برنامج «فيس تايم» على هاتف آي فون، ليدعو أفراد الشعب التركي للنزول إلى الشوارع للالتفاف حوله. وعلى الرغم من أن الفشل كان يبدو جلياً على المحاولة الانقلابية في وقت مبكر من صباح السبت، أصبحت البلاد فجأة واحدة من الدول الكثيرة المضطربة في المنطقة التي لا تعرف نهاية لعدم الاستقرار. وأثرت أحداث يوم الجمعة في بعض من أهم أولويات الولايات المتحدة وأوروبا، فهذان الكيانان يعتمدان على تركيا للمساعدة في محاربة «داعش»، واحتواء تدفق المهاجرين من سورية، واستضافة وكالات الاستخبارات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تسعى للتعامل مع الاضطرابات في الشرق الأوسط. ويعتقد رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، ريتشارد هاس، أن المحاولة الانقلابية «تمثل معضلة لحكومات الولايات المتحدة وأوروبا في ما يتعلق بالسؤال: هل تؤيدون انقلاباً غير ديمقراطي؟ أم قائداً غير ديمقراطي بشكل متزايد؟ حيث كثيراً ما يتحدث أردوغان عن النفوذ الأميركي في العلاقة بين البلدين. بالنسبة للكثيرين في واشنطن، فإن هذه المعضلة تعتبر ثانوية بالنسبة لمسألة ما إذا كانت تركيا سوف تكون شريكاً يعوّل عليه في المعركة ضد «داعش»، وبلد مستضيف للقوات الأميركية ولاعب أساسي في استقرار هذا الجزء من العالم الأكثر تقلباً. ويقول مسؤولون أميركيون إن الساعات الـ48 المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت المحاولة الانقلابية سيكون لها تداعيات دائمة. فعلى عكس الانقلابات البيضاء الماضية في تركيا، فإن هذا الانقلاب لم يتلقَّ أي دعم من الجمهور، والذي يبدو أنه ظل منقسماً بشأن التدخل العسكري. وفي مقابلة عبر الهاتف، يوم الجمعة، عبر السفير الأميركي السابق لدى تركيا، إريك ايدلمان، والمسؤول القيادي السابق في البنتاغون في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، عن اعتقاده في أن «الخطر هنا قد يخرج عن نطاق السيطرة، ويتحول إلى حرب أهلية شاملة». الجيش، الذي يبدو إلى حد كبير أنه تحت سيطرة أردوغان، ظهر على السطح ممزقاً بشكل واضح يشوبه الانقسام الشديد لدرجة أن رئيس هيئة الأركان قد تم احتجازه، في حين وضع ضباط على مستوى أقل الدبابات في شوارع إسطنبول، وسيطر سلاح الجو على أنقرة، العاصمة. لدى أردوغان بالطبع الكثير من الأعداء الإقليميين، الذين يتوقون لرؤيته ضعيفاً أو خارجاً من السلطة. كما يعتري الأوروبيين الكثير من القلق بشأن بقائه في السلطة، فقبل بضعة أشهر أبرمت أوروبا صفقة مع أردوغان، دفعت لتركيا بموجبها أكثر من ستة مليارات دولار أميركي تتمثل في عدم السماح للمهاجرين السوريين بالتدفق إلى أوروبا الغربية، حيث يعتقد العديد من الدول الأوروبية أن أزمة المهاجرين هي، أكثر من أي شيء آخر، التي أدت إلى قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأن الفشل في وقف هذا التدفق قد يؤدي إلى تفكك أوروبا، وهو القلق الذي يشاركهم فيه المسؤولون الأميركيون، بقيادة وزير الخارجية، جون كيري. وقد يضاف الفشل في التنبؤ بوقوع هذا الانقلاب إلى العديد من الإخفاقات الاستخباراتية الغربية، التي فشلت في التنبؤ بانتفاضات الربيع العربي قبل خمس سنوات، ويقول مسؤول كبير بالإدارة الاميركية يتعامل مع ملف قضايا الشرق الأوسط إن الدبلوماسيين الأميركيين ووكالات الاستخبارات كانت، قبل يوم الجمعة، أقرب إلى الإجماع في وجهة نظرهم بأن محاولة انقلاب كانت مستبعدة جداً هناك. ويعتقدون أن أردوغان، من وجهة نظرهم، آمن، ويبدون تحسّرهم على الوضع المتردي لرصد المعلومات الاستخبارية الأميركية في تركيا. وفي الواقع، فإن البرقيات الدبلوماسية وتقارير المخابرات المكتوبة في هذا الخصوص في الآونة الأخيرة من هذا الشهر تستنتج أن أردوغان قد فاز بدعم كافٍ من الرتب العليا في الجيش، وأن هذا من شأنه أن يجنبه أي مؤامرات محتملة قبل أن تقع، وفقاً لمسؤول اشترط عدم الكشف عن هويته. وسوف يقضي المسؤولون الكثير من الوقت في تحديد أسباب فشلهم في معرفة مجريات الأمور. وذكر الخبير السياسي التركي، جنكيز جاندار، مساء الجمعة، أن أردوغان «عقد صفقة خاسرة مع الجيش، والآن الجيش في طريقه للعودة»، ويضيف جاندار «لقد كان تحالفاً»، ويسترسل «إلا أن الجيش ليس صديقاً له – من الناحية العاطفية، أو المؤسسية، أو الأيديولوجية»، من ناحية أخرى، فإن لدى واشنطن مشكلاتها الخاصة مع أردوغان والتيارات المتقاطعة مع السياسة التركية. فقد جاء أردوغان إلى السلطة كإصلاحي في الظاهر، ولفترة من الوقت بدت البلد كواحة مزدهرة من الديمقراطية، وبعد سنوات قليلة لاحظ الكثيرون في الولايات المتحدة أن تركيا صارت نموذجاً للعالم الإسلامي، وصارت مثل إندونيسيا، التي استطاعت صياغة مزيج صحيح من الإسلام المعتدل والديمقراطية. ولكن على مدى السنوات الثلاث الماضية أصبحت حملات أردوغان ضد بعض الشخصيات تمثل إحراجاً متزايداً لحلفائه في «الناتو»، وأن ميله بشدة نحو الإسلاميين، وتضييق الخناق على وسائل الإعلام وجماعات المعارضة، جعل المسؤولين الأميركيين منقسمين بين محاولاتهم لدعم الديمقراطية وإحساسهم بالحرج في دعمهم ما يرونه حاكماً مستبداً على نحو متزايد. تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، والذي تم تحديثه الشهر الماضي، ينتقد بشدة القوانين التركية الجديدة التي تسمح للحكومة «بتقييد حرية التعبير والصحافة والإنترنت»، واعتقال أكثر من 30 صحافياً، وذكر التقرير اعتقالات تعسفية وحرماناً من المحاكمة العادلة، وانتقد حملة أردوغان ضد الأكراد، وخوف الحكومة من الحركة الانفصالية الكردية، ما يعني أن حليفاً واحداً في «الناتو» يقصف الجماعات المسلحة في سورية، في حين أن الولايات المتحدة، وغيرها من الدول الأعضاء، تموّل وتعتمد على تلك الجماعات نفسها. أي إطالة لعدم الاستقرار في تركيا قد يعيق جهود كيري، الرامية لتحقيق وقف إطلاق النار في سورية، وربما يهدد قدرة الولايات المتحدة على العمل من القاعدة الجوية الرئيسة في إنجرليك، حيث تنطلق العديد من العمليات ضد «داعش». ديفيد سانجر كبير مراسلي صحيفة نيويورك تايمز في واشنطن.
مشاركة :