لأننا وسط المعمعة ربما لم نعد نميّز الكثير من الأحداث والظواهر الرهيبة من حولنا وفي العالم. وحتى نرى مدى انحدار الحضارة البشريّة اليوم لعلّنا نتأمل بعض أحكامنا ونحن نستعرض التاريخ القديم والقريب وما جرى فيه من ويلات وتناحر وحروب. يقول المؤرخون إن عدد من قتلوا في القرن العشرين يتجاوز 160 مليون نسمة بسبب الحروب والصراعات. وتكشف تقارير المنظمات الدوليّة أن حوالي 22 ألف طفل يموتون يومياً بسبب الجوع. بمعنى آخر هناك طفل بريء يموت كل 10 ثوانٍ جراء الأمراض المرتبطة بالجوع. أما الحياة الاجتماعيّة في مجتمعات اليوم فالإحصائيات الغربيّة مخيفة بخصوص مستويات الجريمة (في الولايات المتحدة جريمة قتل كل 22 دقيقة) مع تكاثر أعداد الأطفال غير الشرعيين (في فرنسا وحدها 4 ملايين شخص مجهول النسب) وفي عالمنا العربي حيث تغيب الإحصائيات تكشف الظواهر الاجتماعيّة المتصاعدة عن خلل قيمي بنيوي كبير في عمق المجتمع العربي. ويذكر مركز بروكنجز أن العالم العربي يشهد تراجعاً كبيرا في معدلات التنمية بعد موجات الفوضى الخلاقة ففي سورية اليوم قرابة 80 % من السكان يعيشون في حالة فقر. وفي العراق الغني بالثروات تراجعت مستويات المعيشة منذ عام 2003 حتى وصل الحال إلى أن قرابة ثلث الأسر العراقيّة تعيش تحت خط الفقر اليوم. والحال في مصر لا يبعد كثيراً مع تراجع الموارد وارتفاع مستوى البطالة، أمّا في اليمن فتجاوزت معدلات الفقر نصف السكان مع بطالة تتجاوز 60% بين الشباب. ومع هذه المعدلات المخيفة للفقر والبطالة تأتي سلّة من المشكلات الأخلاقيّة والنفسيّة وهي آخذة في الوضوح في كثير من هذه المجتمعات. وما ظهور جماعات العنف والجريمة في معظم هذه البلدان إلا نتيجة وإفراز من إفرازات هذا التردي الأخلاقي الناجم عن انهيار الأوضاع الفكريّة والاقتصاديّة والأمنيّة. ويكفي أن نعرف أن أكثر من 800 ألف شخص يتوفون سنوياً بارتكاب جريمة الانتحار أي بمعدّل حالة انتحار واحدة كل 40 ثانية. وتحدث 75% من حالات الانتحار في الدول المتوسطة والمنخفضة الدخل كما تكشف تقارير منظمة الصحة العالميّة. يقولون إن الحضارة أخلاق ولكن في عالم اليوم يتقاتل الصغار والرعاع في أكثر من بلد على الهويّة والعرق والطائفة في حين يكتفي (العقلاء) الكبار بإبداء القلق ولا يتدخلون وإن تدخلوا – وهم قادرون- فلإشعال المزيد من الحرائق. ويقولون إن العدالة هي روح الحضارة ولكن في عالم يموت فيه يومياً ملايين الأطفال والنساء بسبب الجوع والفقر تعقد المؤتمرات الدوليّة لمواجهة مشكلة وصول عدد مفرطي السمنة في العالم إلى أكثر من ملياري شخص. وفي دوائرنا كل ما عليك هو أن تتلفّت من حولك في ولائم الهياط والعبث والإسراف في طيبات الطعام وما يذهب منها إلى براميل القمامة. والسؤال كيف تصل الحضارة البشريّة إلى قمة اكتمالها في العلم والمعرفة وهذه الأحوال (الأخلاقيّة) تتفاقم حدتها؟ ومن هنا ربما يحق لنا أن نسأل أيضاً هل الحضارة البشريّة اليوم في حالة احتضار؟ قال ومضى: مسح على كرشه المدوّر وهو يخرج من المطعم الباذخ ولما مدّ الطفل الفقير يده متوسّلاً وسائلاً زجره وقال: متى تختفي هذه الأشكال فرد شخص بجواره: ستختفي هذه المظاهر إذا منحك الله وأمثالك بعض الرحمة. masaraat2050@yahoo.com
مشاركة :