العنصرية شرقاً وغرباً في «غربة الياسمين»

  • 7/18/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تدور أحداث الرواية الثالثة للكاتبة التونسية خولة حمدي، «غُربة الياسمين» (كيان، القاهرة) في فرنسا، وتتناول الاضطهاد الذي يعانيه المسلمون هناك، لا سيما في رفض الكثيرين حجاب المرأة. تناقش الرواية موضوعاً بالغ الحساسية وهو حياة العرب والمسلمين في فرنسا وما يواجههم من صعوبة في الاندماج مع المجتمع الفرنسي نظراً إلى اختلاف العادات والتقاليد والمعتقدات والديانة. فتحكي ما يمكن أن تتعرّض له الفتاة المحجبة في فرنسا بسبب حجابها، فلا يتمّ توظيفها في أي عمل وإن كانت أفضل من غيرها من حيث الكفاءة والثقافة. وهذا ما قد تعانيه المرأة عكسياً في بلادنا العربية، إذ لا يتم توظيفها في كثير من الأحيان إن لم تكن محجبة، فكأنّ الرواية تقدّم مقاربة حول مفهوم التعصب وتجلياته في الغرب أو في الشرق، لتؤكّد أنّ النظرة إلى المرأة تبقى سطحية، إذ تُحاكم غالباً بمظهرها لا بجوهرها، فتطرح الرواية سؤالاً: متى ينظر العالم إلى المرأة باعتبارها إنساناً تنطبق عليها المعايير ذاتها التي تنطبق على الرجال عند البحث عن عمل وعند توليها سائر الوظائف العامة؟ تأتي «غربة الياسمين» بعد الرواية الثانية لخولة حمدي «في قلبي أنثى عبرية»، وهي مستوحاة من قصة حقيقية ليهودية تونسية دخلت الإسلام بعد تأثرها بشخصية طفلة مسلمة يتيمة الأبوين، علماً أنها صدرت في 2013 بعد صدور روايتها الأولى «أين المفرّ» في تونس. تقدم الكاتبة في الرواية الجديدة شخصيات تستحق التأمل، منها بطلة الرواية «رنيم»؛ تلك الفتاة المصرية التي تعمل في فرنسا، ولكننا لا نستطيع أن نفرقها عن مثيلاتها الفرنسيات، فهي متحررة، تحلم بالزواج من فرنسي يحقق لها أحداث الفيلم العاطفي الذي تمنت أن تعيشه في الواقع، لكنّ أحلامها سرعان ما تتحطم على صخرة العنصرية. ولكن يمكن القول إن شخصية البطلة التي تنمو على مدار الأحداث تجعلها تصل في نهاية المطاف إلى منطقة أخرى مختلفة تماماً، فهي لم تتحول إلى الشخصية المثالية من وجهة نظر الكاتبة، ولكنها أيضاً أصبحت أنضج وأعمق وأكثر قدرة على اتخاذ قرارات مصيرية بناء على تفكير منطقي متعقل. إنها بالفعل مثل زهرة الياسمين القنوعة التي لا تحتاج إلى كثير من العناية، لكنّ عيبها الوحيد هو أنها تذبل بسرعة. أما عن الجانب الرومنطيقي في الرواية، فاستطاعت خولة حمدي أن تخرج من عباءة الحب الأبدي، واللقاء الحتمي الذي يجب أن يأتي في النهاية كي يجتمع العشاق والأحبة، لترسم بموضوعية شديدة مسارين يأخذان شكلاً واقعياً وحقيقياً. الأهم من ذلك هو أن العنصرية التي تناقشها الرواية هي في النهاية صفة بشرية، تحثّ على النفور من الاختلاف حتى لو كان في اللكنة مع تشابه اللغات أو الأسلوب في ارتداء الملابس، أو درجة التدين بين أصحاب العقيدة الواحدة. أما عن الاندماج مع المجتمع فهو أسطورة حضرية ليس أكثر، فليس هناك شخص لا يشعر أنه مستبعد في وقت من الأوقات أو يشعر أنه في غير مكانه الصحيح. فالشخصيات الغربية التي قدمتها الكاتبة لم تكن كلها متعصبة في عنصرية رجعية عمياء، بل كان في كثيرين منهم نوع من التوازن واحترام الآخر، وكان بعض العنصرية مبرراً عند بعضهم مثلما نلمسه عند باتريك مثلاً. ويبقى الجزء الأهم في الرواية كامناً في الخاتمة التي صاغتها الكاتبة بأسلوب متميز ورائق، فلم تقدم إلى قارئها نهاية سطحية أو مفبركة من أجل إغلاق كل أبواب وثغرات التأويلات، إنما تركت معظمها مفتوحاً على مصراعيه، لتؤكد حقيقة أن الحياة لا تحمل نهاية قاطعة، بل هي عبارة عن أحداث متوالية ينتهي بعض منها ليبدأ بعضها الآخر مقتفياً أثره. فجاءت روايتها كأنها قطعة من حياة تستحق المشاهدة والتأمل، وهي تقول في النهاية: «تمتمت بصوت خفيض مختنق، ثم أغلقت الخط، حثت الخطى وسط الزحام، يضرب كعبها في قلبها كلما لامست الأرض، وفي العين دموع حبيسة تطلب حريتها، سترحل الآن، لكنها ستعود، ستعود قريباً، قريباً جداً».

مشاركة :