نضال غلوريا ستاينم الطويل في سبيل حقوق المرأة

  • 7/18/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

خلال فترة ستينيات القرن الماضي، أصبحت غلوريا ستاينم رمزاً للحركة النسائية ولم تبطئ مسارها منذ ذلك الحين. اليوم، قد تنتخب الولايات المتحدة امرأة كي تصبح رئيسة البلاد للمرة الأولى في تاريخها. هل حققت الحركة النسائية هدفها أخيراً؟ يوم ألقى مارتن لوثر كينغ جونيور أشهر خطاب له، تعرّفت غلوريا ستاينم على الحركة النسائية بصورة امرأة أميركية مُسنّة وشجاعة من أصل إفريقي كانت تعتمر قبعة من قش. حصل ذلك في 28 أغسطس 1963 في العاصمة واشنطن وكانت ستاينم حينها صحفية عمرها 29 عاماً تعمل لحسابها الخاص. في ذلك اليوم، كانت واحدة من 250 ألف شخص يشقّون طريقهم نحو نصب لينكولن التذكاري. أرادت أن تسمع زعيم حركة الحقوق المدنية الفصيح مباشرةً. كانت المرأة المسنّة التي تعتمر قبعة من قش تقف بالقرب منها وسط الحشود فبدأت محادثة مع ستاينم. انضمت السيدة غرين إلى المسيرة احتجاجاً على الفصل العنصري: كانت تعمل في مكتب في العاصمة واضطرت طوال سنوات للجلوس وراء شاشة تفصلها عن زملائها البيض في العمل. لكنها وجدت الآن مصدر إزعاج جديد. أشارت إلى المسرح وقالت إن المتحدثين الرجال كثيرون لكن لا يمكن رصد ولو امرأة واحدة. سألت غرين: من سيسرد قصص النساء السوداوات وحكايات الظلم والعنف كلها؟ صُدِمت ستاينم أمام هذا المشهد. لم يسبق أن فكرت بالرابط بين العنصرية والتمييز على أساس الجنس ولم تلاحظ يوماً أن الرجال وحدهم يلقون الخطابات. لطالما كان الوضع كذلك. رمقتها غرين بنظرة ازدراء خاطفة وقالت: {أنتنّ النساء البيضاوات، إذا لم تقفن للدفاع عن نفسكنّ، كيف ستحاربن من أجل الآخرين؟}. ألقى مارتن لوثر كينغ جونيور خطابه ولا يزال صداه مستمراً حتى اليوم. صرخ كينغ: {لديّ حلم بأنه في يومٍ من الأيام سوف يجلس أبناء العبيد السابقين وأبناء أصحاب العبيد معاً على مائدة الأخوّة}. أصغت المرأتان إلى ذلك الكلام لكنهما شعرتا بوجود نقص معيّن. بعد مرور 15 سنة، في نوفمبر 2013، استقبل أول رئيس أميركي من أصل إفريقي في تاريخ الولايات المتحدة ستاينم في البيت الأبيض. قدّم لها أوباما وسام الحرية الرئاسي الذي يُعتبر واحداً من أهم جائزتين مدنيّتين في الولايات المتحدة. منذ ذلك اليوم في أواخر شهر أغسطس من عام 1963، قررت ستاينم أن تحارب من أجل المساواة بين الرجل والمرأة. سافرت إلى جميع أنحاء العالم وكتبت الكتب وألقت الخطابات وقادت الاحتجاجات وأسست مجلة تُعنى بالحركة النسائية ثم أنشأت مؤسسة. بفضلها، قال أوباما إن {المرأة باتت أكثر قدرة على كسب الاحترام والفرص التي تستحقها}. ثقافة مضادة عجز النقاد على مر أجيال عدة عن اعتبار ستاينم متماشية مع الصورة النمطية للمدافِعات عن حقوق المرأة (أي المرأة الفظة التي تكره الرجال) لأنها تبدو ساحرة جداً. قال مقدم برنامج حواري في إحدى المناسبات: {تحتاج غلوريا إلى رجل: تشعر بأنك تريد تقبيلها أو ضربها. لا أستطيع اتخاذ قراري}. في الولايات المتحدة اليوم، تعتبر النساء، لا سيما الشابات الأصغر سناً، أن الحركة النسائية ليست ضرورية فحسب بل إنها قد تصبح نزعة ساحرة أيضاً. استعملت ممثلات مثل إيما واتسون أو لينا دونهام هذا المصطلح، واتخذت بيونسي وضعية بطولية على المسرح فيما ظهرت كلمة {مناصِرة للحركة النسائية} وراءها بأحرف عملاقة، ولم تعد الحركة النسائية ثقافة مضادة بل نزعة رائجة: يمكن نَسْب هذه التطورات كلها إلى ستاينم. لكن لم تكن ستاينم تنوي أن تصبح زعيمة حركة معينة بل كانت ترتعب في البداية من فكرة الظهور في الأماكن العامة. حين تضطرّ للتكلم أمام جمهور، يبدو وكأنها ابتلعت كومة من الغبار. قالت عن تلك الفترة: {شعرتُ بأنني أستطيع مراقبة النقاش لكن من دون أن أشارك}. لو تمكّنت من نشر النصوص التي أرادت كتابتها، كان نشاطها ليتوقف عند ذلك الحدّ. لكن حصل ذلك خلال الستينات. تتذكّر ستاينم أنها كانت صحفية شابة حين ركبت سيارة أجرة مع المحررَين المشهورَين غاي تاليسي وسول بيلو. كانوا يغطّون معاً حملة بوبي كينيدي لعضوية مجلس الشيوخ وكانوا عائدين من مناسبة نظّمها المرشّح. جلست ستاينم بين الرجلين وكانت تقول خبراً عن كينيدي حين انحنى تاليسي فجأةً فوقها واتجه نحو بيلو وقال: {هل تعرف أنّ فتاةً جميلة تأتي كل سنة إلى نيويورك وتدّعي أنها كاتبة؟ غلوريا هي تلك الفتاة الجميلة هذه السنة}. ثم بدأ الرجلان يتذمران من زحمة السير. شعرت ستاينم بالإهانة والتزمت الصمت. وحين خرجت من سيارة الأجرة، كانت غاضبة من نفسها لأنها لم تعترض على كلامهما ولم تضرب الباب بقوة على الأقل. تقول ستاينم: {هكذا كان وضع العالم}! تتذكّر أيضاً أنها اتصلت بمحرر إحدى المجلات للتحدث عن مهمّة معينة. نظر إليها الرجل للحظة وقال: {لا نريد فتاة جميلة، بل نريد كاتبة. عودي إلى منزلك}. أخبرها مسؤول آخر بأنه لا يستطيع نشر مقالة لها تعتبر فيها أن المرأة مساوية للرجل لأنه سيضطر لاحقاً لنشر مقالة بالقرب منها للتأكيد على أنها ليست كذلك. تحرير النساء بما أن ستاينم كانت تُعتبر أكثر من مجرّد وجه جميل، استفادت من مظهرها في عملها الصحفي. فطلبت أداء دور {أنثى الأرنب} في نادٍ تابع لمجلة {بلاي بوي} حيث قدمت خدماتها للزبائن وكانت ترتدي زياً مع ذيل قطني وأذنَي الأرنب. وفي مقالة لمجلة {شو}، كشفت كيف تتعرّض فتيات {بلاي بوي} للاستغلال على المستويين المادي والجنسي. كانت القصة مؤثرة لكن تعلّقت الصدمة الحقيقية بصورة غلوريا ستاينم بِزِيّ أنثى الأرنب. ثم اضطرت لخوض أشرس معركة كي يُسمَح لها بكتابة مقالات سياسية. بعد ست سنوات على خطاب مارتن لوثر كينغ التاريخي، في ربيع عام 1969، نشرت مجلة {نيوريورك} مقالة لها وبدت أشبه بدعوة إلى التسلّح: {بعد حركة القوة السوداء، حان وقت تحرير النساء}! أخيراً، تمكّنت ستاينم من نشر مقالة لطالما أرادت طباعتها واستعملتها كي تشرح للرجال ضرورة ألا يخافوا من الحركة النسائية. كتبت ستاينم: {انتهى زمن الذنب ونفقة الزوجة المطلقة وتراجع عدد النساء الممّلات والعاهرات وولّى عصر الطغاة الذين يحصرون الطموح البشري داخل جدران المنزل}. قبل سنوات، وصفت بيتي فريدان ملل حياة ربات المنازل في الضواحي في كتابFeminine Mystique (الغموض الأنثوي) الذي حقق أعلى المبيعات. أصرّت ستاينم من جهتها على تأجيل الزواج وتأسيس عائلة: {إذا كنا نصدّق الرسالة المرتبطة بدور المرأة التقليدي خلال الخمسينيات والستينيات، كانت الطريقة الوحيدة لتغيير حياتنا تقضي باختيار الزوج. إنه آخر قرار يمكن اتخاذه في الحياة. كان الوضع أشبه بالموت}! لم يكن زواج والدَي ستاينم سعيداً. حاولت والدتها روث إثبات نفسها كصحفية وحلمت بإطلاق مسيرة مهنية في نيويورك. بعد ولادة ابنتها الأولى (أي شقيقة غلوريا التي تكبرها بتسع سنوات)، كتبت روث ستاينم مقالات في صحيفة في {توليدو}، أوهايو، لبضع سنوات إضافية واستعملت أرباحها لدفع ديون زوجها الذي كان يحمل أفكاراً كثيرة لكن من دون دخل ثابت. حين كانت غلوريا في العاشرة من عمرها، انفصل والداها. بقيت غلوريا مع والدتها التي غرقت في الاكتئاب. خلال السنوات السبع اللاحقة، بدا وكأن غلوريا ووالدتها تبادلتا الأدوار. ثم بدأت ستاينم تتساءل إذا كانت والدتها لِتَمرض لهذه الدرجة لو حاولت تحقيق أحلامها وإذا كانت صدمة تلك السنوات مسؤولة عن عدم رغبتها في إنجاب الأولاد. ثورة وشيكة تخلّت ستاينم عن موقفها الرافض للزواج في عمر السادسة والستين فتزوجت من رجل أعمال بريطاني ومناصر للبيئة اسمه ديفيد بايل وكان أصغر منها بسبع سنوات. بعد ثلاث سنوات، مات بايل بسبب إصابته بورم دماغي واعتنت ستاينم به في آخر سنة من حياته. تنتشر الصور المؤطرة في غرفة معيشتها. كانت ستاينم تستعمل الشقة كمكتب لها وتنام هناك حين لا تسافر. لكن في مرحلة معينة خلال التسعينيات، أدركت ستاينم أنها تتوق إلى إنشاء بيت دافئ. لذا فتحت بيتاً هناك. اليوم تعيش وحدها مع أن غرفة الضيوف لا تخلو من الناس. تخطّط لتحويل الشقة إلى مؤسسة كي تتابع نساء أخريات من الحركة النسائية الاجتماع والعمل والكتابة هناك بعد موتها. لكنها لا تخطط للموت قريباً: {آمل أن أعيش حتى عمر المئة على الأقل}! بدأ أكبر نضال في حياة ستاينم حين كانت الثورة وشيكة في الغرب. خلال الستينيات، شاركت النساء في حركة الحقوق المدنية وحاربن ضد الفصل العنصري وحرب فيتنام ولم يفهمن، حتى في أوساط الثوار، ما يجبرهنّ على الإصغاء إلى الآخرين بكل هدوء والاكتفاء بتحضير القهوة. كيف يتماشى هذا الوضع مع الحلم المشترك بتحسين العالم وتوسيع هامش العدل فيه؟ تلقّت ستاينم بعد نشر مقالتها النارية سيلاً من الطلبات للتحدث عن هذه الظاهرة الجديدة، أي الحركة النسائية. شعرت بالهلع في البداية ورفضت العروض إلى أن وجدت حلاً لتجاوز رهبة المسرح. بدأت تظهر مع صديقة أميركية من أصل إفريقي: إنها دوروثي بيتمان هيوز الشجاعة. جذبت المرأتان الانتباه وملأتا القاعات والمسارح والمراكز الاجتماعية وحتى الملاعب الرياضية. اكتشفت ستاينم أن الحياة الحرّة ممكنة. لكنها عجزت عن التركيز على معظم النظريات النسائية التي أنتجتها الجامعات في تلك الفترة. كان اهتمامها يصبّ على قصص النساء اللواتي قابلتهنّ خلال سفراتها وضمن المجموعات الحيوية التي تحارب في سبيل هدف مشترك: التغيير السياسي. كان رأيها يُعتبر متطرفاً في تلك الفترة: لا يمكن فصل حقوق المرأة عن الحقوق المدنية وحقوق الإنسان. اللامساواة واحدة سواء تعرّض الشخص للتمييز بسبب لون بشرته أو دينه أو جنسه أو ميوله الجنسية. في وجه بيتي فريدان التي كانت تتكلم باسم النساء في الطبقة الوسطى البيضاء، حاربت ستاينم لتوسيع الحركة كي تشمل جميع النساء. حصلت على مكافأتها حين قالت السيدة الأولى هيلاري كلينتون، خلال مؤتمر للأمم المتحدة في بكين بعد 25 سنة، إن {حقوق المرأة مرادفة لحقوق الإنسان}. تحدي النزعة الذكورية لا يمكن كبح النزعة الذكورية من دون خوض معركة شرسة. ثمة بلدان أقل تقدماً وأخرى أكثر حداثة وقد تكون الاختلافات حادة في بعض الحالات. لكن ما من مساواة حقيقية بين الجنسين في أي مكان. يطغى الرجال على السياسة وعالم الأعمال وتقوم النساء بمعظم الأعمال غير المدفوعة ويكسبن مداخيل أقل مستوى ويغرقن في ظروف الفقر. وغالباً ما يرتكب الرجال أعمال العنف بينما تقع النساء ضحية العنف القائم على أساس الجنس مثل الاغتصاب والعنف المنزلي وجرائم الشرف والزواج الإجباري والدعارة القسرية. يفوق عدد الرجال في العالم نسبة النساء بستين مليون نسمة في هذه المرحلة لأن الفتيات غير مرغوب فيهنّ في دول نامية مثل الهند والصين وقد يتعرّضن للقتل في حالات كثيرة. يكفي أن نعرف طريقة التعامل مع النساء في أي مجتمع بحسب رأي ستاينم. من وجهة نظرها، ليست مصادفة أن ينشأ عدد كبير من الإرهابيين المعاصرين في بيئةٍ يسيطر فيها الرجال على النساء. كتبت ستاينم: {لا يتعلق أفضل مؤشر على انتشار العنف داخل أي بلد أو ميله إلى استعمال العنف العسكري ضد بلد آخر بالفقر أو القدرة على استعمال الموارد الطبيعية أو الدين أو حتى مستوى الديقمراطية بل يرتبط بالعنف ضد المرأة لأن هذا السلوك يسمح بتقبّل جميع أشكال العنف الأخرى}. تعتبر ستاينم أن حق المرأة في فرض سيطرتها هو الذي يميّز الديمقراطيات عن الأنظمة الاستبدادية. ناضلت هذه المرأة لفترة طويلة ولا عجب في أن تسأم من هذا العمل كله أخيراً. تعترف ستاينم بأنها تتعب أحياناً: {قبل الذهاب في أي رحلة، أفكر دوماً بأن أكسر ساقي كي لا أضطر للرحيل. يا لها من فكرة جيدة}. لكنها تظهر راهناً في إطلالات إضافية، خلال جلسات قراءة ونقاشات مشتركة وبرامج تلفزيونية، وتنشط على فيسبوك وتويتر وإنستغرام. في الفترة الأخيرة، حصلت ستاينم على برنامجها التلفزيوني الخاص للمرة الأولى واسمه Woman (امرأة) وتبثه قناة {فايسلاند}. تُصَوَّر كل حلقة في موقع مختلف وتتطرق إلى مسائل مثل استعمال الاغتصاب كسلاح حربي في الكونغو، والعصابات في كولومبيا، وحياة الأمهات اليومية في السجون الأميركية. في إحدى الحلقات، أجرت ستاينم مقابلة مع نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء التجول بين قاعات البيت الأبيض وتحدثا عن العنف ضد المرأة. ثم وقفت ستاينم أمام رواق البيت الأبيض وقالت إن وجودها هناك بمثابة مكافأة لها، قبل فترة قصيرة من انتهاء ولاية أوباما الثانية: {إنها المرة الأولى في حياتي التي أشعر فيها بأن البيت الأبيض ملك للجميع وأنه يمثّل الجميع فعلاً، بمن فيهم أنا}. لحظة مؤثرة نادراً ما يتبع التقدم خطاً مستقيماً، إذ لا مفر من مواجهة عوائق كثيرة تحاول وقفه وعكس مساره. اختارت غلوريا ستاينم لحظة مؤثرة (في خضم الحملة الرئاسية المحتدمة التي تتصارع فيها الولايات المتحدة على تحديد هويتها الخاصة) لنشر مذكراتها التي طُبعت الآن باللغة الألمانية أيضاً. احتاجت ستاينم إلى عشرين سنة تقريباً كي تنهي الكتاب لأنها انشغلت دوماً بمسائل أكثر أهمية. لكن يصدر الكتاب الآن في وقتٍ يبدو فيه محور أهم عمل في حياتها معاصراً للغاية. ترفع ستاينم حاجبَيها وترسم ابتسامة متكلّفة حين تُسْأل إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة كي تقودها امرأة. يطرح عليها الناس حول العالم هذا السؤال راهناً وكأنها تستطيع التنبؤ بما سيحصل من الجانب الشرقي الأعلى في نيويورك. كانت تجلس على أريكة مخملية خضراء ومغطاة بوسائد في غرفة معيشتها وتداعب قطتها {أفينديم}، صاحبة الأقدام الثلاث التي جلبتها معها من شوارع القاهرة: كانت تلك القطة محظوظة جداً لأنها وصلت إلى غلوريا ستاينم في نيويورك وعاشت في شقة من طابقين فيها حديقة خارجية وتقع في إحدى زوايا {بارك أفينيو} وفي الشارع رقم 73. قالت ستاينم: {منذ ثماني سنوات، لم أكن أظن أننا مستعدون. حتى أنني لست واثقة من أن الوقت مناسب اليوم لانتخاب امرأة في منصب الرئاسة. لكن لا بد من حصول ذلك. لا نملك خياراً آخر}. في شهر نوفمبر المقبل، قد تصبح هيلاري كلينتون أول امرأة تحتل أعلى منصب أميركي: كانت في السابق السيدة الأولى وسيناتورة ووزيرة خارجية ولطالما بقيت تحت الأضواء وسبّبت الجدل. تجسّد كلينتون السياسية معنى البراغماتية بشكل أساسي لكن سيكون فوزها، كما حصل مع أوباما منذ ثماني سنوات تقريباً، انتصاراً للتنوع. وإلا سيفوز دونالد ترامب، ذلك الرجل المعروف بجهله وبكرهه للنساء والأجانب. يؤجج ترامب مشاعر الكره تجاه المهاجرين والمسلمين ويطلق الأحكام على النساء بحسب جاذبيتهنّ الجنسية ويتباهى بقدراته الذكورية ويَعِد بإعادة المجد إلى الولايات المتحدة: إنه أسلوب ممتاز لجذب الرجال البيض الغاضبين الذين يريدون إعادة الآخرين إلى مكانتهم الصحيحة التي تقلّ مستوىً عنهم. يُفترض أن يكون الخيار سهلاً لكنه ليس كذلك. تكثر المسائل التي أصبحت على المحك، بما في ذلك أهم عمل في حياة غلوريا ستاينم. يمكن اعتبار ستاينم أكثر امرأة شابة في عمر الثانية والثمانين. ترتدي هذه المرأة سروالاً أسود وقميصاً أسود وتنتعل صندلاً بنعل سميك وترفع شعرها من دون شدّه وترسم خطاً بنّياً رفيعاً فوق عينيها. بداية جيدة الاستسلام ليس وارداً بنظرها، وتحديداً بعدما أصبح الخيار مصيرياً: كلينتون أو ترامب. يبدو الوضع الراهن أشبه بسيناريو مسلسل تلفزيوني مريع: هل يُعقَل أن تضطر أول امرأة مرشّحة لتولي أعلى منصب في العالم لهزم شخص مثل ترامب؟ تقول ستاينم إنها لا تدعم انتخاب امرأة لرئاسة البلاد من حيث المبدأ فحسب. ما كانت لتدعم مثلاً رمز {حزب الشاي} سارة بالين بحسب قولها. وفي عام 2008، وجدت صعوبة في الاختيار بين كلينتون وأوباما لأنهما يؤيدان السياسات نفسها ويدعمان تحديث الولايات المتحدة. ترددت ستاينم وكتبت لائحة بالإيجابيات والسلبيات قبل أن تقرر في النهاية التصويت لصالح كلينتون لسببين: كانت تتمتع بخبرة أوسع وكان من الأصعب عليها أن تثبت نفسها في وجه خصمها. تحاول ستاينم شرح موقفها معتبرةً أننا لسنا معتادين بكل بساطة على رؤية نساء في مناصب نافذة: {يشعر الرجال تحديداً، وبعض النساء أيضاً، بوجود خطب معيّن حين يشاهدون امرأة نافذة في الأوساط العامة. قد يظنون أنهم عادوا إلى الطفولة لأنها آخر مرحلة شاهدوا فيها امرأة نافذة}. إنها الطريقة الوحيدة لتفسير {ردود الأفعال الجنونية وغير المنطقية} تجاه وجود المرأة في السلطة. يصعب أن نتجنب ردة الفعل هذه طالما ينشأ الأولاد على يد الأمهات والمربيات والمعلّمات. إذا انتُخب دونالد ترامب، سيصبح الرئيس الذكر الخامس والأربعين للولايات المتحدة. وإذا أصبحت هيلاري كلينتون أول امرأة تصل إلى المكتب البيضاوي، ستستفيد النساء طبعاً. قد يسهل عليهنّ حينها إقامة توازن صحيح: لن تكون المرأة النافذة هادئة بدرجة مفرطة لكنها لن تصبح مرعبة بأي شكل؛ ستستعمل لغة الجسد الصحيحة، فلا تبدو رجولية وقاسية لكنها لن تحافظ على كامل أنوثتها أيضاً؛ وستتمتع بالشخصية المناسبة طبعاً، فتبدو ودودة ودافئة ومسترخية لكنها ستكشف عن صرامتها في الوقت نفسه. في الأشهر المقبلة تخطط ستاينم لمتابعة ما تفعله دوماً قبل الانتخابات الرئاسية: السفر إلى الولايات التي تحتدم فيها المعارك الانتخابية مع أصدقائها الناشطين لإطلاق حملات داعمة للمرشّح الذي تؤيّده. ليست من الأشخاص الذين يعبّرون عن مشاعرهم بسهولة لكن حين تفكر بهذا الاستحقاق، ترتسم تدريجاً ابتسامة عريضة على وجهها: السيدة الرئيسة! لكنها تستدرك فوراً وتؤكد أن الطريق لا يزال طويلاً. لن يكون وصول هيلاري كلينتون إلى المكتب البيضاوي نهاية القصة لكنها بداية جيدة طبعاً!

مشاركة :